رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرض التراب والنار(4).. المصريون نشروا اللغة العربية فى جوبا منذ الثلاثينيات

جريدة الدستور


مع أولى خطواتى على سلم الطائرة، التى حطت فى مطار «جوبا» الدولى، أيقنت أننا لا نعرف أى شىء عن دولة جنوب السودان، سوى اسمها فقط، بالإضافة إلى معلومة أنها تلك البلاد التى انفصلت عن السودان، وأصبحت دولة مستقلة منذ ٢٠١١.
كنت أتخيل أن الرحلة، التى أقدمت عليها فى الذكرى الرابعة لنشوب الحرب الأهلية، التى بدأت فى ديسمبر ٢٠١٣، لن تمتد سوى يومين أو ٣ فقط، ثم سأتمكن من رصد كل شىء هنا، إلا أن المشهد منذ البداية جعلنى أغير رأيى تماما، بعد أن وجدت نفسى فى أرض غزيرة الخيرات، تتنوع فيها العادات والتقاليد بشكل مدهش، لتستمر رحلتى إلى «بلد الخير» -الذى يتوارى خلف الحروب التى دمرته- نحو ١٢ يومًا. وخلال تلك الرحلة تجولت فى العاصمة جوبا، وذهبت إلى ولاية بور، التى أبادتها الحرب، ورصدت ملامح هذه الصراعات ونتائجها على الأرض، والتقيت سياسيين ومسئولين، وتحدثت مع مواطنين، لأنقل صورة كاملة عن هذا البلد المجهول لنا كمصريين، رغم اشتراكنا سويا فى شريان جامع واحد، هو نهر النيل، الذى يربط بلدينا. فى الحلقة الرابعة، نلتقى مسئولى الغرفة التجارية فى جوبا، الذين جمعتنى بهم جلسة استمرت ما يقرب من ساعة ونصف الساعة تحدثنا خلالها عن أوضاع التجارة فى البلاد، ومستقبل الاستثمار فيها، وسبل التعاون التجارى مع مصر، إلى جانب استكشاف مدى الحضور الإسرائيلى هناك.
الإعلام يصوّرنا بلدًا خطيرًا رغم استقرار الأوضاع.. ونريد شراكة حقيقية مع القاهرة
البداية لدى السيد «صمون» الأمين العام للغرفة التجارية فى جوبا، الذى قال إن الغرفة تضم مجموعة تجار من جميع الولايات، واصفًا بلاده بأنها مفتوحة للتجارة مع الجميع.
وأضاف أن «الإعلام يصدر مشهد الحرب فى البلاد للعالم الخارجى، ويلح على أن القتل مصير أى شخص يأتى للجنوب، وهذا غير حقيقى، فالبلد ليس خطيرًا بل مفتوح للاستثمار ويرحب بأى مستثمر، ودورنا كغرفة تجارية أن نتحدث مع الدول لتوضيح تلك الصورة».
وتابع «صمون»: «أحب أن أوجه رسالة للمستثمرين بأننا نمتلك مساحات كبيرة ومتاحة للاستثمار فى جميع المجالات ونعمل بالفعل مع دول الجوار، ونريد شراكة حقيقية مع الحكومة المصرية وليس مع أفراد».
وأشار إلى أنه قبل الحرب فى ٢٠١٣ تم عقد مؤتمر كبير فى جنوب السودان، حضرته جهات مصرية، كما التقى مسئولون جنوبيون، مستثمرين مصريين فى قصر «الاتحادية» للتشاور حول التعاون والاستثمار المصرى.
وعن تلك اللقاءات، قال: «دعوناهم للمجىء إلى الجنوب، لرؤية الواقع بعيونهم دون الالتفات إلى ما يقال فى الإعلام، لكن رجال الأعمال المصريين لم يبادروا حتى الآن بزيارة الجنوب، أو بحث إمكانية تدوير العمل وإقامة شراكات».
وأكد أن بلاده مفتوحة للاستثمار رغم الأزمات التى تحاصرها، مشددًا على أنه لا توجد أى فتنة طائفية، كما يردد البعض، وكل جنوبى حر فى دياناته، فالمسيحى يذهب للكنيسة والمسلم يذهب إلى المسجد.
وتطرق «صمون» إلى أزمة الكهرباء قائلًا: «مصر أنشأت محطات توليد فى بعض الأقاليم، لكن أزمتنا كبيرة ونحتاج إلى مزيد من المحطات، كما أن بعض المشكلات أدت إلى توقف عمل بعض المحطات، لذلك على الحكومة الجنوبية عقد العديد من الاتفاقيات لحل أزمة الكهرباء، ومصر هى الأقرب للتعاون معها فى هذا الصدد».
بدوره، قال مدير الغرفة السيد «أنجلو»، إن الغرفة التجارية تمثل مظلة للحركة التجارية الاستثمارية فى جنوب السودان، لافتًا إلى أنها تحاول جذب تجار الدول الأخرى من خلال الزيارات المتبادلة. وأشار إلى أن الغرفة التجارية تنقسم إلى قسمين، الأول تشريعى معنى بوضع التشريعات اللازمة والسياسات المطلوبة، والثانى تنفيذى، ينفذ السياسات ويحقق مطالب التجار ويفض النزاعات، إن وجدت، ويطبق اللوائح الداخلية.
وأضاف: «نعمل على تصحيح صورة جنوب السودان كدولة فاشلة، سواء كان عن طريق استقدام وفود تجارية عربية أو آسيوية، أو من خلال تكذيب ما يقال من شائعات عن البلاد».
وعن دور الإعلام فى توضيح الصورة عن الجنوب، قال «أنجلو»: إن الإعلام المحلى فى جنوب السودان يلعب دورًا مهمًا فى توصيل رسالة إلى الدول الأخرى مفادها استقرار الوضع بالجنوب وإمكانية الاستثمار فى الأقاليم المختلفة، خاصة أن «المواجهة تساعد على توصيل الرسالة بشكل أسرع».
وعن المشروعات المستقبلية للغرفة، كشف عن وجود بعض الخطط التى وضعتها الغرفة لعدد من المشروعات خلال عامى ٢٠١٨ و٢٠١٩، وأهمها مشروع تجديد البنية التحتية للدولة، على مساحة ٨٣٧٥ ألف متر مكعب، بما يتضمنه من إنشاءات فى الكهرباء والمياه والصرف الصحى والاتصالات وبناء العقارات والمكاتب، مضيفًا: «نهدف لجذب المستثمرين المصريين، فلأبناء مصر الأولوية القصوى للاستثمار».
واختتم: «المجال مفتوح للاستثمار الزراعى، نظرًا لمساحات الأراضى الكبيرة الموجودة فى الدولة فى أعالى النيل، وهناك أولوية للشباب من مختلف دول العالم للاستثمار فى الزراعة، وناقشنا مع وزارة التجارة الخارجية عدة مشروعات وفى انتظار التنفيذ».
1400 مستثمر لبنانى يبحثون عن المعادن والأحجار الكريمة.. ووجود هندى صينى يابانى
كشف مدير الغرفة السيد «أنجلو»، عن أن الغرفة التجارية شاركت فى مؤتمر عالمى فى الدوحة حضره ٣ آلاف عضو فى الغرفة التجارية الصناعية العالمية، بدعوة من الأمم المتحدة، وتم خلاله طرح عدد من المشروعات التنموية فى مجالى التعدين والزراعة، وكان من المفترض أن تنقل الغرفة من الدوحة إلى إيطاليا، إلى أن جاءت كارثة الحرب الأخيرة فأوقفت ذلك المسعى.
وعن الدول التى تستثمر فى الجنوب، أشار إلى وجود ١٤٠٠ مستثمر لبنانى يعملون فى مجالات استخراج المعادن والأحجار الكريمة، بالإضافة إلى عدد كبير من المستثمرين من دول عربية عديدة، ومستثمرين من الصين والهند واليابان.
ووجه رسالة إلى مصر عبر «الدستور» قائلًا: «أقول لأشقائنا فى مصر إن جنوب السودان بها استقرار وأمن، وأؤكد أن من يتأخر شهرين أو ثلاثة أشهر من الآن عن زيارتنا لن يجد مكانًا، فالفرصة قائمة وشعب الجنوب كريم، والمستقبل لجنوب السودان التى ترحب بمصر».
من جهته، قال الحاج أمين عكاشة، من كبار مستثمرى الجنوب، إن هناك تعاونًا متبادلًا بين الغرفة التجارية فى مصر والغرفة التجارية فى جنوب السودان، وتقام عدة اجتماعات ومؤتمرات لتبادل العلاقات والمصالح المشتركة فى جميع المجالات التجارية والصناعية والزراعية. وأضاف: «نكثف مجهوداتنا لتكثيف التعاون بين مصر والجنوب، لكن لا ننكر أن هناك تقصيرًا من المستثمرين فى مصر، رغم أن القاهرة هى التى تقف مع الجنوب منذ القدم، لذا نناشد المستثمر المصرى أن يأتى إلى جنوب السودان، ونحن على استعداد كبنوك وشركات وغرفة تجارية للتعاون مع المصريين».
وأشار «عكاشة» إلى أن دور الغرفة بجنوب السودان يتمثل فى استقطاب التجار الموجودين داخل الدولة، ومناشدة التجار فى الخارج للاستثمار والاستفادة من ثروات جنوب السودان، لافتًا إلى أن عدد الشركات الأجنبية الموجودة داخل الغرفة التجارية فى جنوب السودان يصل إلى ٩٧١٤ شركة من دول مختلفة، منها ١٠ شركات فقط من مصر.
وذكر أن الصينيين والهنود والماليزيين هم أبرز المستثمرين الموجودين فى جنوب السودان وتحديدًا فى مجال البترول، مضيفًا: «بإمكان المستثمرين أن يضعوا أموالهم فى عدة مجالات، وتقوم الغرفة التجارية فى جنوب السودان بمساعدتهم، إذا ما تعرضوا لأى مشكلات خاصة، حتى لو كانت مادية».
وعن الوجود الإسرائيلى داخل الجنوب، قال: «جنوب السودان دولة مفتوحة لجميع التجار، لكن المستثمرين الإسرائيليين يعدون أقلية فى جوبا، على عكس الصينيين الذين يشكلون أغلبية المستثمرين فى إفريقيا بشكل عام».
وتابع: «التاريخ يربط شعب جنوب السودان بالشعب المصرى، وإذا جاء المصريون إلى جنوب السودان فسنطرد الإسرائيليين»، مؤكدًا أن جنوب السودان تعطى الأولوية للمستثمرين المصريين وللحكومة المصرية، للمساهمة فى إقامة شراكة حقيقية بين البلدين، مشددًا على أن مصر تعتبر الشريك الأساسى لجنوب السودان. بدوره، قال نائب الغرفة «دوديلى»، إن دور الغرفة التجارية فى جنوب السودان عبارة عن تنظيم عملى للتجارة، كما أنها تساعد فى إتاحة الفرص التجارية للمستثمرين داخل جنوب السودان والمستثمرين فى الخارج.
وأضاف «دوديلى»: «لدينا نية للتعاون مع مصر، ونطالب المصريين بالاستثمار فى جنوب السودان سواء فى مجال الزراعة أو الصناعة أو البنية التحتية»، لافتًا إلى أنه على الرغم من أن جنوب السودان تفتقر إلى الشركات المنتجة والأموال، إلا أنها غنية بالثروات، ومصر تمتلك خبرة كبيرة فى مجال الزراعة والزراعة السمكية والبنية التحتية.
وتابع نائب الغرفة: «نتواصل مع جميع الدول من خلال المؤتمرات التجارية التى نشارك بها، والمؤتمرات التى ننظمها، وهناك تبادل خبرات بين الغرفة التجارية فى الجنوب والغرف التجارية فى الخارج».

المعلمون المصريون نشروا اللغة العربية فى الجنوب منذ الثلاثينيات.. وحضور لافت للثقافة المصرية بجوبا
قال طيب عبدالرحمن، صاحب شركة «هايد بارك»، إن شعب جنوب السودان يتسم بالرقى والتحضر والتسامح، ويرحب بأى زائر من جميع الدول، والإعلام أخطأ فى حقه كشعب يريد أن يرى بلده مزدهرًا.
وأضاف «عبدالرحمن»: «نتمنى من حكومة مصر أن تقف معنا، فاليد الواحدة لا تصفق، ونحتاج إلى دعم صحى لشعب الجنوب ومصانع وتعليم وكهرباء».
وأشار صاحب شركة «هايد بارك» إلى أن سبب إغلاق بعض المشروعات بعد انطلاقها يرجع إلى أن أغلبها تعرض للإفلاس، وعدم قدرتها على دفع الرواتب للموظفين، فضلًا عن تأثير الحرب على بعضها، مضيفًا: «بعض الولايات أنشئت بها مدارس مصرية ومشروعات كهرباء تم إغلاقها فى ظروف استثنائية تتعلق بالحرب، لكن الحرب انتهت حاليًا وأصبح البلد آمنًا».
من جانبه، قال محسن سلام، عضو فى الغرفة: «جنوب السودان طفل وليد نفتخر به، ونحن فى الجنوب نطلب السلام ونفتح قلوبنا للعالم ليأتى إلينا، ولدينا ثروات هائلة منها الثروة الحيوانية والموارد المائية والغابية والمعادن، ومنذ حصلنا على استقلالنا عام ٢٠١١ ونحن ندعو العالم للاستثمار فى تلك الثروات».
وذكر «سلام» أن مصر صديقة للجنوب وقدمت العديد من الخدمات للشعب الجنوبى فى مجالات الصحة والتعليم والزراعة، ومنذ ٢٠١١ أصبحت هى أقرب دولة للجنوب، و«من خلال الثروات الهائلة التى نمتلكها دعوناها للمشاركة فى استغلال ثرواتنا ومواردنا المائية»، وفق قوله.
واتفق معه «وليم» عضو فى الغرفة، بقوله إن جنوب السودان تضم ديانات مختلفة، ومع ذلك تتسم بالتسامح الدينى، مشيرًا إلى أن المعلمين المصريين نشروا اللغة العربية فى الجنوب منذ الثلاثينيات، مضيفًا: «على مر العصور كان لمصر دور فعال فى نشر الثقافة والعلوم فى جنوب السودان».
وأضاف «وليم»: «لا توجد حدود بين مصر والجنوب، وترتبط دولة جنوب السودان بدولة مصر الشقيقة الكبرى من خلال شريان واحد وهو نهر النيل»، مشيرًا إلى أن السودان الموحد كان يضم مليون ميل مربع، فيما تضم جنوب السودان ٣٣٠ ألف ميل.
وأشار إلى أن جنوب السودان تحتوى على ثروات متعددة منها السمكية والزراعية والمعدنية، لافتًا إلى أن الجنوب تمتلك ثالث مصنع غزل ونسيج على مستوى العالم العربى والإفريقى، والذى ينتج الملابس الرسمية لقوات شرق وغرب إفريقيا.
وتابع: «فى عام ١٩٠٨ قبل قيام الحرب العالمية الأولى أنشأ الألمان فى الجنوب مصنعًا لأوراق البردى فى منطقة أعالى النيل، لكن الحرب العالمية أوقفته».
وقال المستثمر الجنوبى جورج فايز، إن البلد مستقر، لكن له أعداء، لأن جنوب السودان تعتبر جنة الله فى الأرض لما تضمه من خيرات، مضيفًا: «نفتح باب الاستثمار لجميع الدول».
بدورها، قالت السيدة سلوى باكونج، نائب رئيس الغرفة، إن «التعاون بين الغرفة التجارية لجنوب السودان ونظيرتها المصرية يعد ضعيفًا للغاية، رغم أننا نعطى الأولوية للمستثمرين المصريين وللحكومة المصرية مؤكدة أن الغرفة مستعدة لدعم أى مستثمر مصرى وتسهيل جميع الإجراءات الرسمية التى يحتاجها.
ووجهت «سلوى» رسالة إلى وسائل الإعلام الدولية قائلة: «لا نريد إعلامًا ضد جنوب السودان، بل إعلامًا متفهمًا لحاجات الشعب الجنوبى وطموحاته ورغبته فى الاستقرار والتنمية، ونريد إعلامًا منحازًا لمصالح الجنوبيين وحريصًا على مستقبلهم».
وناشدت جميع الدول المجاورة ورجال الأعمال الاستثمار فى جنوب السودان وتحقيق الاستفادة المتبادلة، مشيرة إلى أن المستثمر لديه خيارات متعددة ولا يقتصر عمله على تخصص أو قطاع واحد.