رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوميات السندريلا فى القصر «1-3»


عندما أرادت سندريلا أن تحضر حفل الأمير، لم تكن تفكر فى أن يحبها الأمير أو أن تحبه، هى فقط أرادت أن تستعيد لحظة من حياتها القديمة، عندما كانت أمها وأبوها على قيد الحياة، وكان بيتهما الذى هو أكبر من البيوت وأصغر من قصر الملك تقام فيه الحفلات الراقصة فى الأعياد، وكانت هى الصغيرة ترقص مع والدها حينًا وأمها حينًا آخر بكثير من البهجة وخلو البال. بعدما ماتت أمها أظلم البيت، وعندما أقيمت الحفلات بعد دخول زوجة أبيها، كانت هى دائمًا بعيدة وحيدة بحجج كثيرة: لا يصح أن تسهر سندريلا، سيرهقها السهر، غدًا ستكبر وتحضر كل الحفلات. وكبرت السندريلا لكنّ أباها غاب، وغابت معه الحفلات وابتلع الطمع غرفتها، وفساتينها، فقطنت فى السندرة، وعاشت خادمة.
لم تكن سندريلا ناقمة على زوجة أبيها وابنتيها، كانت تمتلك روحًا طيبة لا ترى غير الجانب المضىء فى أكثر الأشياء ظُلمة، كانت مخلصة ومتسامحة دون تكلُّف. بل إنها كانت تشفق على البنتين وتتمنى لو أنهما تمتلكان بعضًا من المهارات التى تُحسنها، كانت تود أن توجههما إلى حقيقة أن العالم يتغير، وحياة الإنسان قد تنقلب رأسًا على عقب، فبأى مهارة ستواجهان العالم وهما لا تجيدان غير الثرثرة، لكنها كانت تخاف أن تجرح مشاعرهما وتفهما أنها ربما تضرب المثل بنفسها، أو أنها تتمنى أن تموت أمهما، فهذه الأفكار لا يمكنها أن ترد على ذهن السندريلا، كما لم يرد على ذهنها أن تكون المختارة التى يحبها الأمير ويتزوجها، فقط كانت تريد حضور حفل، الاستمتاع ببعض من البهجة، بعض من الفرح، بعض من المباهاة.
هل أحبت سندريلا الأمير ؟ هذا سؤال تشكيكى.. تفكيكى.. يهدف إلى بث الزعزعة وهز الثوابت. وهل خلق الأمراء إلا لكى تقع الفتيات فى حبهم؟!، ليس المهم من تحب الأمير، بل المهم مَنْ سيقع الأمير فى حبها.
قبل أن يتم زفاف السندريلا للأمير، أراد الأب الملك أن يختبر قدرتها على القيام بدور الأميرة زوجة ولى العهد، فدعاها للإقامة فى القصر، كى تعتاد التقاليد وتتدرب على البروتوكول الملكى.. وبالفعل انتقلت سندريلا لجناح خاص فى القصر.
لم تدرك سندريلا أن العالم به هذا القدر من الخدم.. فى قصر زوجة أبيها كانت هى الخادمة الوحيدة، تقوم بكل المهام: التنظيف، الطبخ، الغسيل، كان هناك الجناينى وهو فى الوقت نفسه البواب الذى يشترى كل ما يحتاجه قاطنو القصر القديم من مشتريات، والخياطة كانت تأتى لزيارة زوجة أبيها وابنتيها أول كل موسم تعرض عليهن الأقمشة الجديدة.. فى القصر هناك خادم لكل شىء.. خادمة لإيقاظها، ثانية لتجهيز الحمّام، ثالثة لاختيار ما ترتديه من ملابس، رابعة لتغيير الزهور من مزهريتها، خامسة لترتيب سريرها وفتح ستائر غرفتها، سادسة لتصفيف شعرها وتهذيب أظافرها وطلائها، وسابعة وصيفة ترافقها فى التمشية، وثامنة وصيفة ترافقها عند استقبالها أحد الضيوف.. وتاسعة.. وعاشرة.. أرادت سندريلا أن تقوم بأشيائها بنفسها، هى اعتادت خدمة نفسها، بل خدمة الآخرين، قررت الاستغناء عن كل هؤلاء الخادمات، لكن مشرفة أخبرتها أن هذا القرار سيكون كارثة وسيؤلمهن كثيرًا، لأنها ستسبب فى طردهن من القصر وقطع أرزاقهن، وهذا ليست بالفأل الحسن أو القرار الجيد لأميرة عليها أن تكتسب محبة شعبها، كعادتها تفهمت سندريلا هذا الأمر، وكان عليها أن تعتاد ذلك، مع كل هؤلاء الخدم.
أشياء كثيرة ستعتادها سندريلا فى القصر.. إلا أن سندريلا التى اعتادت الحياة على الهامش تمامًا، وأن تقتات على ما يتبقى من طعام ابنتى زوجة أبيها، لم تحتمل كم الإضاءة الكبير فى القصر، فكانت تتبع اللمبات الزائدة وتأمر بإطفائها، هالها أن القصر الملكى يستهلك نصف كهرباء السد الكبير المبنى جنوب المدينة، بينما يوزع النصف الآخر على بقية الشعب، وعندما كانت سندريلا تنظر من شرفتها فى المساء وترى ضاحية من ضواحى المدينة أو قسمًا منها مطفأ الأنوار، كانت تستدعى مشرف القصر وتطلب منه أن يخفف من إضاءة القصر.. هل سيعجب الأمير بالسندريلا المتقشفة؟ أم أن وزير الملك سيحذره من نزعة اشتراكية بدأت تسرى همهماتها بين الشعب، ومؤازرة شعبية للسندريلا تتخلق فى الأمسيات بين الساهرين على المقاهى؟..
على الملك أن يحمى دائمًا عرشه.. وهذا ما سيفعله الملك.