رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقيقة "الهجان" بين الصحف الإسرائيلية والرؤية المصرية


تبحث الحقيقة بشكل دائم ودءوب عن خيالٍ يجملها، كي تأخذ أبعادًا أكثر درامية فتظل لغزًا في ذاكرة البشر، وخصوصًا إن تعلقت هذه الحقيقة بحياة أحد الملوك أو الفرسان أو الجواسيس، حيث تتشابه حياة كل منهم بشكل كبير، لأن حياتهم دائمًا ما يشوبها الغموض، فتتحول ذكراهم إلى أسطورة.

واليوم يحتفل المجتمع المصري بمرور خمسة وثمانين عامًا على ميلاد شخصية تحتل مكانة عظيمة فى قلب المخابرات المصرية، وعلى النقيض فإن المخابرات الإسرائيلية ترى هذه الشخصية مجرد وهم وخرافة أختلقتها المخابرات المصرية لتبعث الأمل وترفع الروح المعنوية للمصريين بعد نكسة 1967، وهذا ما قاله نائب رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق في برنامج سري جدًا مع يسري فؤدة, ورغم الاعتقاد والإيمان التام من جانب المخابرات الإسرئيلية بأن رأفت الهجان خرافة مصرية ابتدعتها المخابرات المصرية فإن للصحف الإسرائيلية رأي آخر وهو أن رأفت الهجان عميل مزدوج لصالح إسرائيل؛ حيث نشرت ذلك فى عدد يناير 2012 الماضي في ذكرى وفاته؛ حيث قالت: إن رأفت الهجان الذي لطالما اعتبرته الاستخبارات المصرية أحد أفضل عملائها ليس سوى عميل لإسرائيل.

ووفق التقرير الذي نشرته هآرتس عن محاضرة في مركز التراث الاستخباراتي الإسرائيلي تحدث فيه المحاضرون عن كيفية القبض على رأفت الهجان بعد أن دخل إسرائيل مرسلًا بواسطة الاستخبارات المصرية في الخمسين، وأكد المحاضرون أن الهجان وبعد القبض عليه ومواجته وافق على التعاون مع إسرائيل، أي أصبح مزدوجًا ، ونقلت بواسطته إلى المصريين معلومات كاذبة، كان الاسم الشيفري الذي أُعطي له وعلى أثره العملية يتيد .

وبحسب التقرير الذي أوردته الصحيفة الإسرائيلية فإن الاستخبارات المصرية قامت بتجنيد الجمال بعد أن تورط مع القانون وعرض عليه مقابل عدم محاكمته أن يكون جاسوسًا، وافق وجرت عليه سلسلة تدريبات اشتملت على زيارات كنس من أجل معرفة الدين اليهودي، وبعد إعداده ألصقت به هوية مختلقة ليهودي مصري اسمه جاك بيطون .

كانت ذروة عملية يتيد وتعني الوتد نقل معلومات كاذبة إلى المصريين في 1967، قبيل حرب الأيام الستة، نقل بيطون إلى المصريين أنه بحسب خطة الحرب التي أحرزها من مصادره، ستبدأها إسرائيل بإجراءات برية، وكان هذا تضليلاً من الطراز الاول، يمكن أن يساوي في قيمته عملية تقطيع وهي خداع الاستخبارات البريطانية اللامع زمن الحرب العالمية الثانية، فيما يتعلق بمكان نزول قوات الحلفاء وقت غزو أوروبا في 1944.

وتشير الصحيفة إلى أن المعلومات المضللة لبيطون كانت أحد اسباب أن مصر كانت وادعة جدًا قبيل الحرب وتركت طائراتها مكشوفة لأنظار الجميع على مساراتها في المطارات، لم يصعب على سلاح جو إسرائيل القضاء عليها في ثلاث ساعات وبهذا حسمت المعركة بقدر كبير في واقع الامر، وقال إبراهيم أحيتوف الذي كان رئيس الشعبة العربية في الشاباك يومها: وفر علينا دما كثيرًا، كان استعماله مساويًا لقوة فرقة .

وأضاف خلال الندوة: لم تعد ثمة حاجة بعد الحرب إلى بيطون، وقد كان متعبًا أيضًا من التوتر اليومي لعمله السري، فأصبح عصبيًا وأخذت تكبر مطالبه المالية من الدولة، استقر الرأي على قطع الصلة به وإعادة تأهيله، فرتب جهاز الأمن دخوله في شراكة مع رجل أعمال إيطالي، مثل شركة نفط نقبت قبل الحرب في سيناء وأصبحت إسرائيل الآن تسيطر على حقولها، لكن هذا لم يكن كافيًا لبيطون وطلب ملايين الدولارات مقابل خدمته التي استمرت 12 سنة، وأخذت تتدهور علاقته بمستخدميه من الشاباك .

ومضى أحيتوف في حديثه: بعد ذلك بوقت قصير أصيب بالسرطان، عولج في مستشفى في إسرائيل لكنه ارتاب أن رجال الشاباك سيحاولون تسميمه ولهذا طلب نقله للعلاج في أوروبا، استجاب الشاباك لطلبه وعولج في مستشفى في إلمانيا ومات هناك، دفن الجمال بيطون في مصر، بعد عشرين سنة من موته في 1988ونقلت هآرتس في ختام تقريرها سخرية رئيس الموساد و الشاباك السابق إيسر هرئيل عندما سئل عن الرواية المصرية لرأفت الهجان ليجيب ليفرحوا، وليظلوا يصدقون حكايتهم .

ولكن قبل أن نتسرع في الحكم على الهجان هل هو عميل مزدوج ام خرافة يوجد بالصحيفة شئيئن يختلفان مع ما قيل عن الهجان فى المخابرات المصرية الأولى بأن الهجان قد استطاع التوصل إلى معلومات على 1967 لكن المخابرات المصرية لم تأخذ بها أم الثانية هي أن الهجان لم يدفن بمصر كما قالت هارتس بل توفي الجمال بعد معاناته بمرض سرطان الرئة ولم يدفن بمصر . ولم1982 في مدينة دارمشتات القريبة من فرانكفورت بألمانيا ودُفن فيها.

إذن؛ الهجان عميل مزدوج من جانب الرأي العام الإسرئيلي, وخرافة مصرية في رأي المخابرات الإسرائيلية. فما هي الحقيقة: عميل مزدوج أم خرافة أم شيء ثالث؟ وهو ما تقوله المخابرات المصرية إنه بطولة مصرية فكان تعليق الكاتبة الصحافية المهتمة بالشأن الإسرائيلي فريدة النقاش على ما نشرته صحيفة هارتس الإسرائيلية أن طرح القضية في الوقت الحالي راجع إلى حرب نفسية تحاول أجهزة المخابرات الإسرائيلية شنّها على الشعب المصري، بعدما أعادت له ثورة 25 يناير كرامته وإحساسه بذاته وجعلته يشعر بالقوة والفخر بجنسيته .

أتفق معها في الرأي السفير محمد بسيوني سفير مصر السابق في إسرائيل، مشيرًا إلى أن أي جهاز مخابرات في العالم يرفض الاعتراف بأنه تم اختراق من جهاز دولة أخرى، مؤكدًا في الوقت نفسه على أن مصر لديها كل الدلائل والحقائق التي تثبث أن رأفت الهجان أدى أداء حسنًا، وقام بتقديم العديد من المعلومات المهمة والخدمات الجليلة للمخابرات المصرية.

وعن توقيت إعادة طرح القضية رغم مرور فترة زمنية طويلة على القضية، قال بسيوني: إن كل الاحتمالات واردة من قبل الجانب الإسرائيلي، مؤكدًا على أن الأهم من توقيت الطرح هو ثقتنا في واحد من أبناء مصر الشرفاء.

ولكن إذا كان رأفت الهجان بطل مصري أستطاع أن يخترق المخابرات المصرية، فأين تكريم الدولة له بعد مماته, فمن المؤكد بطل بهذا القدر وقدرته على اختراق جهاز المخابرات الإسرائيلية يكون تكريمه على بتسمية شارع باسمه فليس هذا معقولاً.

وفي النهاية يظل الشك هو سيد الموقف, فقد مات الهجان وماتت معه حقيقته إذا كان عميلاً مزدوجًا أو بطلاً مصريًا، أو إن كان خرافة مصرية لم يكن له وجود من الأصل.