رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان.. وحرفة تزوير التاريخ


العديد من الأكاذيب والشائعات التى روجها الإخوان عبر عقود يتم تناقلها بين الإخوان دون أن يُعملوا عقولهم بشأنها ليعرفوا ما إذا كانت صحيحة أم كاذبة، خذ مثلا الشائعات التى أطلقها الإخوان على عبدالناصر، وتشنيعات وقوعهم تحت وطأة تعذيب فى عهده يشيب لها الولدان، مع أن معظم ما ادعوه هو محض تلفيق وقع فى فخ تصديقه معظم المجتمع المصرى والعربى.

وخذ عندك الشائعات التى كتبها لهم الإخوانى محمد عمارة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، والتى زعم فيها أن طه حسين هو الذى كتب كتاب «الإسلام وأصول الحكم» وأنه بعد أن وضع هذا الكتاب إذا به يضع اسم الشيخ على عبدالرازق الذى أصابته حالة خجل من طه حسين فلم ينف تأليفه الكتاب! وما زعمه عضو هيئة كبار العلماء السالف من أن الشيخ محمد عبده هو الذى كتب كتاب «تحرير المرأة» ووضع اسم قاسم أمين عليه، ومن كثرة الأكاذيب التى أطلقها الأخ عمارة ظننت أن الذى كتب كتبه هو القيادى الإخوانى يوسف ندا الذى احترف الكذب وتأليف الكتب ونسبتها إلى آخرين مثل كتاب زينب الغزالى «أيام من حياتى» الذى قال فيه على لسان السيدة زينب إنها تعرضت لتعذيب لا مثيل له، وإذا فكرنا لأدركنا أن ما زعموه لو تعرض له بطل العالم فى رفع الأثقال لوقع صريعا.

وأضف إلى ما سبق تلك الأكاذيب التى أشاعوها على خصومهم، والغريب أن لديهم أكذوبة واحدة رددوها بشكل مستمر دون وعى، أو حتى دون إمكانية فى تغيير الكذبة، فمصطفى كمال أتاتورك أمه يهودية، وكذلك جمال عبدالناصر، وفى العصر الحديث أرادوا إطلاق كذبة على الرئيس السيسى تضمن لهم بث كراهيته فى نفوس أتباعهم، فأشاعوا أن والدته -رحمها الله- يهودية، وعندما أرادوا أن يشوهوا طه حسين لم يستطيعوا الزعم بأن أمه يهودية، لأنه ينتمى إلى إحدى قرى الصعيد وحفظ القرآن صغيرا، فأشاعوا أنه ارتد عن الإسلام واتبع المسيحية.

وفى ذات الوقت أشاعوا أمورا خارقة عن حسن البنا اختلقوها اختلاقا وأرادوا بها التأثير على الذين تم تجنيدهم إخوانيا كى يظلوا تحت تأثيرهم، ثم أشاعوا كماً من الأكاذيب عن سيد قطب فجعلوه قديسا مقدسا، وقصص سيد قطب بالذات يصح أن نستعرضها لنعرف كيف تتحول قصة مختلقة لا أساس لها إلى حقيقة ثابتة فى عقول الناس لاشك فيها؟ ومن هذا القصص ما رواه الإخوان عن علاقة سيد قطب بتنظيم 1965 الذى أنشأوه لاغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم.

وقد روى الإخوان عن هذه القضية الأساطير التى لا أصل لها، فيقولون مثلا: إن هذه القضية ملفقة وإنه لم يحدث قط أن أنشأ قطب تنظيما بهذا المعنى! ويجمح الخيال بهم فيقولون إن الشيخ الأزهرى الذى حضر الإعدام قال لسيد قطب قبل أن يصعد للمشنقة: قل لا إله إلا الله، فنظر إليه قطب وهو يقول: وهل أتى بى إلى هنا إلا لا إله إلا الله، ثم يختتم الإخوان أساطيرهم بأن حمزة البسيونى استدعى حميدة قطب عشية تنفيذ حكم الإعدام وقال لها: إننا نحب الأستاذ سيد ونرى أنكم الجماعة الوحيدة فى العالم التى تطبق صحيح الإسلام وأننا نريد أن ننقذه من الإعدام، وكل ما نريده هو أن يكتب اعترافا بأنه أنشأ تنظيما لاغتيال عبد الناصر وقلب نظام الحكم، وسأرسلك له الآن فى زنزانته لتقنعيه بالاعتراف، فإذا اعترف سأضمن لك عفوا صحيا من الرئيس عنه، فذهبت حميدة -كما يقولون- إلى أخيها فى زنزانته وأخبرته بما قيل لها فرفض وقال لها: لو كنت قد ارتكبت هذا الفعل لاعترفت وما منعتنى أى قوة على وجه الأرض من الاعتراف.

فإذا كنت تريد معرفة الحقيقة عزيزى القارئ فلا تعوِّل على كل ما سلف، فلم يحدث شىء من هذا على الإطلاق، فسيد قطب لم يقع عليه أى تعذيب، فقد قضى فترات العقاب قبل إعدامه فى مستشفى السجن، والإخوان هم الذين يقولون ذلك، ويتحدثون عن الفترة الأولى التى حُبس فيها قطب فقالوا فى كتبهم: «قضاها فى مستشفى السجن وأرسل له فى هذا المستشفى حسن الهضيبى يسأله عن تكفيره للناس فأنكر أنه كفَّر أحدا» ثم إن أحدا لم يقل لنا: من أين عرف الإخوان أن مدير السجن طلب منه أن يكتب اعتذارا لعبد الناصر قبل إعدامه؟ هل أخبرهم بهذا مدير السجن؟! أم أن سيد قطب قام من موته وأخبر الإخوان بما حدث؟! ولأن هذه المعضلة وقفت أمام الإخوان فقد حاولوا إخفاء تلفيقها، فقالوا: كان واحد من الجند يحرس زنزانة قطب الذى هو فى مستشفى السجن من الأصل وكان يظن وفق ما قيل له أن قطب هذا من اليهود، فرآه يقوم الليل ويقرأ القرآن، ويتعرض من أجل ذلك لتعذيب بشع فى مستشفى السجن، وتصادف أن كان هذا الجندى هو الذى اقتاد قطب لغرفة الإعدام، فرأى وقال وقص علينا ما حدث من مسألة السبابة التى توحد والاعتذار المرفوض والشيخ الذى قال له قطب: وهل أتى بى إلى هنا إلا لا إله إلا الله، هذا والله شىء عظيم، ولكن من هو هذا الجندى؟ ما اسمه وأين كتب شهادته هذه، فلن تجد جوابا لهذا.

أما الأغرب فهو ما روى على لسان حميدة قطب من أن حمزة البسيونى طلب منها أن تقنع قطب بالاعتراف بالجريمة، ولكن قطب رفض بإباء وشمم، ووجه الغرابة أن سيد قطب اعترف أصلا اعترافات تفصيلية بتنظيمه ومخططاته، بل إن قطب كتب هذا الاعتراف بخط يده، وهو موثق فى القضية، وقد اعترف الإخوان بصحة الاعتراف، وقد قاموا بوضعه فى كتيب بعد ذلك ونشروه على حلقات فى مجلة المسلمون تحت عنوان «لماذا أعدمونى»! فكيف يطلب حمزة البسيونى من حميدة قطب أن تقنع أخاها بالاعتراف بارتكاب الجريمة وهو معترف بها فعلا .

وفى اعتراف قطب بالقضية يقول: «وهذه الأعمال هى إزالة رؤوس فى مقدمتها؛ رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، ومدير مكتب المشير، ومدير المخابرات، ومدير البوليس الحربى، ثم نسف لبعض المنشآت التى تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفى خارجها - كمحطة الكهرباء والكبارى - وقد استبعدت فيما بعد نسف الكبارى كما سيجيء».

وأظن أن الإخوان سيقولون إن قطب اعترف تحت وطأة التعذيب، لندور فى دائرة مفرغة إذ سنقول: فلماذا إذن طلبوا منه أن يوقع على اعتراف إذا كان معهم اعتراف بخط يده! إنهم حقا أساتذة الأكاذيب!.