رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: ماذا يفعل السيسي في اليوم الأول من ولايته الثانية؟


سيترشح الرئيس لفترة ثانية فى 2018
نحتاج إلى منافسين جادين لديهم مشروعات واضحة
الرئيس سيضع خبرته تحت تصرف القادم الجديد لـ«الاتحادية» إذا لم يكن هو
على المصريين النزول للتصويت لإكمال البناء الديمقراطى

قبل أن تعتبر هذا السؤال انتهاكا للتجربة الديمقراطية التى سيتنافس فيها آخرون مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية القادمة، والمفروض أن يقول الشعب فيهم رأيه بحرية مطلقة، وقبل أن تعتبر السؤال مصادرة على اختيارات الناس، وعلى رغبات من يسعون للمنافسة من الآن - اسمح لى أن أتحدث معك بصراحة مطلقة، وبعيدا عن حالة الاستقطاب الحادة التى يعمل البعض على ترسيخها من الآن مع أو ضد السيسى.
اختار الرئيس بعد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدورى الثالث للشباب، الذى لايزال يواصل أعماله من مدينة الإسماعيلية، أن يعقد جلسة حوارية حرة على هامش المؤتمر مع شباب من مدن القناة وبعض شباب سيناء.
لن أحكى لك كثيرًا عما دار فى الحوار المفتوح، فأنت رأيته على الهواء مباشرة، لم تتدخل فيه يد مونتير شاطر، ولم يخضع لعين رقيب مدرب ومنتبه، الشباب يسألون والرئيس يجيب، دون ترتيب مسبق للأسئلة، أو تحفظ مريب فى الإجابات.
سأتوقف فقط عند السؤال الأهم فى هذا الحوار
ماذا ستفعل إذا خسرت فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟
حجب الشاب الذى سأل هذا السؤال اسمه، اعتقادا منه أنه ربما دخل مساحة شائكة وممنوعة، أو أنه تجاوز فى حق الرئيس الذى لا يزال كثيرون يعتقدون أنه لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا أدرى ما هو شعور هذا الشاب بعد أن تحدث الرئيس بصراحة وأجاب عن السؤال بوضوح، أعتقد أنه ندم بشدة على عدم ذكر اسمه مع السؤال، فقد فتح بسؤاله منطقة حرجة، وحتما كنا سنتعامل معه بعدها على أنه شاب جرىء، نبحث خلفه ونكتب عنه وتستضيفه القنوات الفضائية، كان سيتحول إلى نجم.. لكن تردده أضاع فرصته.
لن نبحث عن هذا الشاب كثيرا، سنحترم رغبته فى إخفاء اسمه، تعالوا نتوقف عند ما قاله الرئيس.
واسمحوا لى أن أثبت كلامه هنا كاملًا ونصًا، ليس لأهميته فقط، ولكن لأنه يمثل منهجًا جديدًا فى تفكير الحاكم، الذى اعتدنا فى مصر أنه بمجرد وصوله للسلطة يتمسك بها حتى النفس الأخير، لا يغادرها إلا بالموت أو الخلع أو العزل، فقد علمنا الرؤساء السابقون أنهم لا يخرجون من قصر الرئاسة - أيًا كان اسمه - إلا على القبر أو السجن أيهما أقرب.
قال السيسى: قسمًا بالله العظيم، قسمًا بالله العظيم، قسما بالله العظيم، لو المصريين مش عاوزينى ما هقعد ثانية واحدة فى المكان ده، مقدرش أسمح لنفسى أو لكم أن أكون موجودًا فى مكانة رغمًا عنكم، وهذا ليس كلام سياسة، حتى وإن كان غريبًا على من يريدون الحكم، أنا أقسمت باحترام الدستور والقانون، وبحاول أعمل ده، ولن أزيف انتخابات تحت أى اعتبار، أو عشان أكون موجود فى الحكم، وأقسمت بالله وأرجو أن يصل صدق كلامى إليكم لأكون صادقًا.
يفصح السيسى أكثر عما فى صدره: ربنا أتاح للناس الحرية فى اختياره أو عدم اختياره، وهو من سيحاسبهم لأنه الخالق، ولذلك انزلوا الانتخابات الرئاسية المقبلة بكثافة، واختاروا من تريدون لأن هذا حق بلدكم عليكم، وربنا يولى الأصلح والأقدر، ولأنى أحب بلدى، أتمنى وجود اللى يقدر يخليها أفضل، لكن أنا مش هأقول أكون موجود يا أهدها، الناس اللى بتفكر تفضل فى مكانها أو تهد بلدها لأ.
يواصل السيسى صراحته بشفافية مطلقة: انزلوا قولوا ما شئتم، ولن تجدونى ثانية متشبثا بالحكم، أنا متشبث من أجلكم فقط، فمن أجلكم أتيت للحكم وتصديت فى ٣ يوليو لخوفى عليكم، ولكن لو أنتم مش عاوزينى، فربنا يوفق ويقولى من يصلح ويبارك له فى عمله، وعليكم أن تقفوا بجواره.
لماذا يقول السيسى هذا الكلام؟
لن أسند كلامه لتفسير دينى بالطبع، رغم أنه فعل ذلك، فهو يؤمن إيمانا مطلقا بالآية الكريمة التى رددها: «قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء، وتنزع الملك عمن تشاء، تعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شىء قدير».. لم يرددها فقط، بل أثبت موقفه منها، عندما قال إنه كان طيعا لله سبحانه وتعالى وهو يؤتيه الملك، وسيكون طيعًا لله أيضًا إذا أراد أن ينزعه منه، فليس السيسى بالشخص الذى ينازع الله فى ملكه، وليس هو الشخص الذى يمكن أن يعطل قوانين الله فى الأرض.
لو كان السيسى يضمر فى نفسه شيئا يخص استمراره فى السلطة بأى شكل وتحت أى ظروف، ما أجاب عن هذا السؤال الذى جاءه من مجهول، كان يمكن أن يتجاهله، أن يتعالى عليه، ولن يلومه أحد، فمن حقه أن يجيب عما يريد ويتجاهل ما يشاء، فكلنا كذلك، لكنه اختار أن يجيب بما سيكون حجة عليه وعلينا فى الانتخابات الرئاسية القادمة، التى بحكم الزمن تفصلنا عنها شهور قليلة.
ما الذى نفهمه من كلام السيسى وبشكل محدد؟
نفهم منه الآتى:
أولًا: السيسى سيرشح نفسه فى الانتخابات الرئاسية القادمة، لقد رهن ترشحه لولاية ثانية برضا المصريين عن ذلك، وحتى الآن لم يأته ما يقول عكس ذلك، ولا تقل لى إن هناك أصواتًا تعارض ترشحه، فهى أصوات نعرف ما وراءها ومن يحركها، ثم إنها أصوات تخرج من المعسكر المعادى له منذ اليوم الأول لظهوره معلنا عزل محمد مرسى عن السلطة، ولا يمكن للسيسى أن ينزل على رغبة خصومه السياسيين، الذين لا يصارعونه على السلطة من أجل الحكم وإنما رغبة فى الانتقام من المصريين بسبب وقفتهم فى ٣٠ يونيو.
ثانيًا: سيكون السيسى فى الانتخابات القادمة مرشحا مثله مثل باقى المرشحين، لن يستقوى عليهم بمؤسسات تسانده، ولن يطلب شيئا لنفسه أكثر من غيره، المهم أن يكون هناك منافسون جادون، لديهم مشروعات واضحة ومحددة، فلسنا فى حاجة لمن يبنون مجدهم على ما يعتقدون أنه إخفاقات فى عهد السيسى، لذلك كان تعهده بعدم تزوير الانتخابات، لأنه لن يكون إلا مرشحًا فرديًا لن يستدعى الدولة لتقف إلى جواره.
ثالثًا: سينزل السيسى عند إرادة الشعب المصرى فيمن يختاره رئيسًا له، إذا كان هو، أو كان غيره، ووقتها سيضع خبرته تحت تصرف الرئيس الجديد، فهو يتمنى من الله أن يولى من يصلح، ووعد بأن يسانده ويحبه، مادام أنه يحب مصر وشعبها ويريد أن يعمل من أجلها.
رابعًا: يحرص السيسى على أن يكتمل البناء الديمقراطى، فالمهم لديه أن ينزل المصريون إلى الانتخابات وبكثافة كما قال، المهم أيضًا أن يرى العالم كله تجربة المصريين، ومدى حرصهم على اختيار رئيسهم بإرادة حرة، يهتم بأن يرى العالم مدى تحضر ورقى المصريين.
خامسًا: يثبت السيسى كل يوم أنه زاهد فى السلطة، فلولا استدعاؤه من قبل جموع الشعب _ وهو ما لا يستطيع أن ينكره أحد _ ما أقدم على ترشح نفسه، ولن يستمر إذا قال له المصريون لا، وهذا عهد جديد يعقده السيسى مع الشعب المصرى، وقد أثبتت التجارب أن السيسى رجل يحترم عهوده، ولا يخذل من يضعون أيديهم على كتفه.
كان من السهل على السيسى أن يستغل لقاءاته مع الشباب التى تذاع على الهواء مباشرة فى تسويق نفسه، والدعاية المباشرة بما قام به وأنجزه، حتى يضمن لنفسه تأييدًا ساحقًا فى الانتخابات القادمة، لكنه يحمل قناعة واضحة بأن الشعبية لا تساوى شيئا لرئيس خرب بلاده، ولذلك تراه حريصًا على مصارحة الناس بالأزمات والمشاكل، وهو ما يسبب إحباطا نوعيا لفئات كثيرة، لكنه عاهدنا منذ البداية ألا يخدعنا، ولم يرسب فى الانتخاب أبدًا.
قد يكون من مصلحة الكاتب أى كاتب ألا يعلن انحيازه، يقف على الحياد، لكننى لن أفعل ذلك مع الرئيس السيسى، إننى أتمثل كلمة الإمام على رضى الله عنه: أن تكون محايدا، فليس معنى ذلك أنك لم تنصر الباطل، أنت بذلك تخذل الحق، وأنا لن أخذل الحق أبدًا، والحق يقتضى أن أقول إن وجود السيسى رئيسًا لفترة ثانية يمثل ضرورة وطنية، أعلن من الآن احترامى الشديد لكل من سيرشحون أنفسهم أمامه فى الانتخابات القادمة، لكننى أعلن كذلك أننى منحاز له ولمشروعه ولإخلاصه فى عمله من أجل وطن حر ومستقر.
وإذا كان هناك ما أدعو الرئيس السيسى إليه، فإننى أدعوه إلى التفكير فيما سيفعله فى اليوم الأول من ولايته الثانية، لا يفكر فى الانتخابات وتعقيداتها، فمازلنا فى حاجة إلى رئيس لا يملك إلا العمل ولا يطالبنا إلا بالإنجاز، رئيس يجعلنا شركاء له لا أجراء فى دولته، عليه من الآن أن يضع خططه ومشروعاته التى سيباشرها بإذن الله فى سنواته القادمة فى الرئاسة، فلسنا فى رفاهية المراهنة على رئيس جديد والوطن يتعرض لحرب شاملة من خصوم لا يريدون له الخير.