رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المعلم "هدهد".. فلسفة خاصة فى تجارة "الكوكايين"

حمدي غيث
حمدي غيث

بينما هو يعيش فى عالمه الخاص فى جو من الإنسجام الروحى والهدوء، يظهر الشيطان فى صورة "رجب"، يظهر له بتجارة الكوكايين، الذى يجلب الكثير من الأموال والقليل من المخاطر لأنه الأسهل فى النقل والترويج، لا وجه للمقارنة مع الحشيش عديم الربح وصعب النقل والتوزيع .

"الكوكايين" هو الجوكر، الحصان الرابح وليس مطلوباً من المعلم "هدهد" غير الاختيار فقط! يمد يده ليقطف التفاحة التى يقدمها "رجب"، لكنه يرفض الاتجار فى الكوكايين ليس فقط لأنه حرام فهو مثل الحشيش من ناحية التحريم الدينى، لكن لأنه "شر"! هو السم الأبيض المدمر لصحة وحياة الإنسان، "هدهد" يعرف جيداً ماذا يريد "رجب" من جر رجله إلى عالم السموم البيضاء فيجعل منه شيطانًا على الأرض، فيصرخ بشكل فطرى فى "رجب" قائلاً: "إنه قد يمارس الشر مرة وأخطأ وسيلقى عقابه، لكنه لن يصبح شيطاناً، هو إنسان سيظل يحمل الخير والشر".

ويأتى الحوار معبراً عن تلك الحالة عندما يقول : "لامؤاخذة يا رجب بيه في حاجات إنت مش واخد بالك منها، أنا ابتديت وأنا صبي عيل صغير عندي 10 سنين، كنت بلعب كورة شراب لا مؤاخذة، وعيني علي مدخل الحارة وبعدين بقيت أوصل البضاعة جوا الباطنية، وبعدين طلعت من الباطنية وبقيت أوصل البضاعة الجمالية والحسينية والدرب الأحمر، كنت بوصل تربة الحشيش بشلن، كنت بحطها في رغيف عيش بتعريفة في وسط خمس ترغفة وأرجع لأمي أديها الأربع ترغفة وأكل أنا الرغيف اللي كان فيه الحشيش مع قرص طعمية، مش عاوز أطول عليك، إشتغلت بعد كدة موزع علي خفيف كنت بشتري كام وقية وأقطعهم لحد ما بقيت معلم كبير، صبياني وصبيان صبياني مايقلوش عن ألف نفس، إنما إنت بقي يا رجب بيه نزلت علينا بالبارشوت عمرك ما هتعرف مين زباينك لأنك فووووق لا هتقابلهم ولا هتعرفهم ، عرفت الفرق ؟! إنت تقدر تسمم الناس، لكن أنا مقدرش.. مقدرش".

وينتهى المشهد بانتصار المعلم "هدهد" لنفسه وحريته،و قد تكون المرة الأولى والاخيرة بعد أن عاش ذلك العمر الطويل وهو مجبر أن يعيش ويعمل ويقتل ويتاجر فى الحشيش ويجمع المال، لكنه فى نهاية حياته عرف أنه مجبراً على أن يكون حراً. تلك هى فلسفة المعلم "هدهد" فى فيلم "أرض الخوف" عام 1999، من تأليف وإخراج داود عبد السيد، حيث يعيد الفيلم السؤال الفلسفى الخالد : هل أنا مجبر أم مخير!

تلك القضية المعقدة التى قتلت بحثا وكانت محل إختلاف جميع الفلاسفة، وتنوعت الآراء وأصبح سؤالاً بدون إجابة : هل الإنسان حر فى كل فعل، وليس هناك من يقيد أفعاله، وبالتالى هو مسؤول مسؤولية كاملة عن تصرفاته من الخير والشر؟ أم هو مجبر جبرية كاملة ؟!

وتلك الحالة الفريدة جسدها الفنان عبدالله غيث فى دور المعلم "هدهد عبدالرحمن" تاجر المخدرات فى ظهور فريد لأول مرة على شاشة السينما، لم يكن بذلك التناول السطحى المعتاد لشخصية تاجر المخدرات الشرير القبيح، فقد كان تناول المخرج دواود عبدالسيد أكثر وعياً وثقافة وفلسفةً فى تجسيد حالة إنسانية رائعة.