رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«التحطيب المعاصر».. رياضة الفراعنة تعود إلى الحياة

التحطيب
التحطيب

التحطيب أو الرقص بالعصا فى مصر القديمة كان أحد أشكال الفنون القتالية غير أنه ارتبط فى «الوعى الجمعى» بـ«الصعيد». يقدم المبارزون ــ خاصة فى الصعيد ــ على أنغام الموسيقى الشعبية عرضًا قصيرًا للحركات غير العنيفة باستخدام عصا طويلة.. وكانت هذه اللعبة ــ التى وضعتها اليونسكو مؤخراً على قائمة التراث الثقافى غير المادى ــ حتى وقت قريب مقصورة على الذكور من سكان محافظات الصعيد لكن عاملا جديدا أدخل «البنات» إلى المعادلة حين تأسست مدرسة لتعليم «فنون التحطيب». «الدستور» تواصلت مع رواد الفن التراثى، الذى تحوّل إلى لعبة قتالية.. تعرفت على أبرز مدربيها، لاعبيها، وقواعد مبارياتها، فـ«الرشّة» هى السلاح المستخدم، والنزال لا يتخطى الدقيقة والنصف، واللاعب الذى يتمكن من لمس رأس خصمه بالعصا، يفوز بالمباراة مباشرة، بينما يحتاج إلى لمستين متتاليتين فى الجسد، أو 3 لمسات غير متتاليات فى مناطق متفرقة من الجسد، بينما يتحصل اللاعب على إنذار إذا ما لمست عصاه يد المنافس، وإذا تحصل على إنذارين تنتهى المباراة لصالح الخصم.

عادل بولاد: احترام الآخر أهم مبادئ التحطيب المعاصر

فى أحد المراكز الرياضية وقف «عادل بولاد»، الرجل الستينى، وحوله مجموعة من الشباب والفتيات، يستمعون إلى تعليماته وتوجيهاته، كيف لا وهو من عمل لسنوات حتى أجبر «اليونسكو» على الاعتراف بأول لعبة مصرية الأصل، وحوّلها من فن يستخدم فى أفراح الصعيد، إلى رياضة قد تصبح ذات شأن كبير على مستوى العالم خلال سنوات.

تجوّل «بولاد» فى كل مدن الصعيد، محاولا جمع كل أساليب التحطيب المنتشرة عبر المدن والقرى المختلفة، إلى أن تمكن من ضمها جميعا فى 8 تشكيلات أطلق عليها أسماء مثل «نخلة، نقطة، قنطرة، جولة، لفّة، مسحة»، يوضح: «قدرنا نجمع كل فنون التحطيب فى مصر مع بعضها فى فكرة التحطيب المعاصر، لأن قبل كده كانت كل منطقة ليها أسلوب، وكان لازم الشخص ينازل شخص من نفس المنطقة».

جال المدرب العجوز بلادا عديدة، ليعرف العالم بالرياضة العتيقة، وتمكن من تقديم عدة استعراضات فى بعض المدن الأوروبية، مثل عرض «روح مصر» فى المتحف البريطانى، والمشاركة فى المهرجان الدولى للفنون القتالية بباريس، ودائما ما كان يحوز اهتمام المشاهدين، خاصة عند معرفتهم بارتباط «التحطيب» بالفراعنة.

أثناء التدريب جلس «بولاد» على إحدى ركبتيه، ممسكا بطبلة، يضرب عليها بإيقاعات مختلفة، ليبدأ اللاعبون فى ممارسة النزال، حسب الإيقاع، فالفراعنة كانوا يستخدمون الطبول فى حروب التحطيب، لتحميس وتحفيز المقاتلين: «دور الطبلة مهم، الدوم الطاقة الأرضية، والتاك طاقة سماوية، والإنسان بيوصل الاتنين ببعض فيبقى قوة كبيرة».

«القوة، التحكم واحترام الآخر».. مبادئ أساسية يتعلمها ممارسو التحطيب، وتقوم عليها اللعبة، وهو ما يحاول «بولاد» زرعه فى المدربين، لتنتقل بعد ذلك إلى اللاعبين الجدد.



رانيا: أتمنى المشاركة فى عرض بالأوليمبياد
مشهد تقليدى فى أفلام الفتوات، حيث الرجال يقفون متواجهين ممسكين بعصيهم، إعلانا ببداية حرب، الخاسر فيها لا يلوم إلا نفسه، فهو لا يتقن فنون التحطيب والضرب بالعصى فى الوقت والمكان المناسبين، وتحول مشهد القتال إلى فقرة راقصة فى أفراح أبناء الصعيد.. كل ذلك مألوف، تراه العين ولا تقف عنده كثيرًا، لكن ما لم يكن مألوفا هو مشهد فتاة صغيرة تقف بثقة، ممسكة بعصا، فى انتظار بدء فقرتها التدريبية.

رانيا مدحت، التى تنتمى لمركز صدفا بمحافظة أسيوط، وتخرجت فى كلية التربية الرياضية، تتذكر بدايتها مع هذا الفن الصعيدى: «كان عندى فكرة عن التحطيب التقليدى بطريقة الرقص الشعبى بصفتى بنت من الصعيد، لكن بعد كده عرفت إن فى حاجة اسمها مودرن تحطيب وأنها بقت لعبة قتالية، فحبيت أخوض التجربة بغض النظر عن كونى بنت، وده أمر غريب شوية».

تكمل: «فى البداية كل الناس استغربت وكانوا مش قابلين فكرة إن بنت تمسك عصاية وتلعب تحطيب، لأنهم مش فاهمين إنها رياضة وفيه قواعد وحركات معينة».

تمارس «رانيا» اللعبة فى مقر جمعية الصعيد للتربية والتنمية، محاولة تطوير مهاراتها القتالية لتتقن التحطيب الحديث: «بشتغل على نفسى علشان أنميها وأطورها فى مهارة التحطيب، خصوصا إنى خريجة تربية رياضية، ولعبت رياضات تانية زى جودو، كاراتيه، كرة سلة وكرة يد، وده خلانى لائقة بدنيا لألعب أى رياضة».

ولم ترد رانيا الانفراد بدخولها المجال ذا الأصول الذكورية البحتة: «بدأت أجيب شباب وبنات يتعلموا معايا، ودا اللى خلى الناس تتشد للفكرة ويحاولوا يجربوا، وبقى عادى وطبيعى إن بنت من الصعيد تلعب تحطيب».

«هدفى إتقان اللعبة بشكل أكبر، وتكوين فريق يقدر ينافس ويشرف اللعبة المصرية، ونفسى أشارك بعرض فى الأوليمبياد».. هكذا تحلم «رانيا» لمستقبل التحطيب فى مصر والعالم وتبدأ فى أولى خطوات حلمها باختيار أعضاء فريقها الدولى.


تايجر: انتهى زمن «الجلابية ».. وممكن البنات تلعبها
«كونج فو، كابويرا، ساموراى، آيكيدو».. ألعاب قتالية لعبها محمد محمود الشهير بـ«تايجر»، وقضى 20 عامًا من عمره كمدرب لهذه الألعاب، وبعد هذه الصولات والجولات عاد إلى أصوله المصرية كلاعب جديد ينضم إلى صفوف رياضة التحطيب المعاصرة.

أما عن البداية فكانت مجرد معرفة سطحية: «كان عندى معرفة باللعبة من زمان، كنت عارف إن التحطيب لعبة مصرية من آلاف السنين، لكن مكنتش أعرف قواعدها أو طريقة ممارستها، لحد ما عرفت من أقل من سنة إن فى حاجة اسمها تحطيب معاصر، وفعلًا تواصلت مع الدكتور عادل عشان أعرف أكتر، ورغم إنى لعبت 12 لعبة مختلفة، لكن التحطيب ليه طعم تانى وروح مختلفة».

يوضح «تايجر» الفرق بين اللعبة الفرعونية والحديثة: «الفراعنة كانوا بيستخدموها فى الحروب، ومكانتش بالطريقة الموجودة حاليًا فى قرى الصعيد، واللعبة مكنتش بتتلعب واحد قصاد واحد بس، لأ ده ممكن 3 مهاجمين قصاد مدافع واحد، وفيه جدارية كاملة داخل هرم أبو صير عن التحطيب، بتحتوى على 4 تعليمات رئيسية للتحطيب: «هات العصاية من ورا ضهرك، اضرب على اللحم، ركز، خلى الحركة صريحة وواضحة».

هذه المبادئ الأربعة هى أساس اللعبة، لكن مع إدخال بعض التطويرات التى يشرحها «تايجر»: «نفس اللعبة الموجودة من سنين اتطورت شوية، وبقى ممكن البنات تلعب تحطيب، وبقى فيه لبس رياضى مش جلابية، وتعاونت مع الدكتور عادل بولاد علشان نعمل مرجع كامل للتحطيب فيه كل الحركات والأساليب».

ومن الجديد أيضًا فى اللعبة تركيزها على الدفاع وليس الهجوم: «بنركز فى التدريبات إن يبقى فيه تحكم فى العصاية، لازم نوصل لمرحلة إن العصاية لما تبقى عند الرأس أو عند جسم الخصم نوقفها، والنقطة بتتحسب، مش بنأصّل لفكرة الهجوم على الخصم وإيذائه».

«التحطيب من الألعاب القليلة فى العالم اللى بتتلعب على إيقاع، واللى بيلعب تحطيب لازم يكون فاهم فى اللعب والطبلة مع بعض، لإن الموسيقى هيا اللى بتتحكم فى شكل القتال، لو سريعة يبقى لازم رتم القتال يبقى سريع ، ولو موسيقى بطيئة وهادية يبقى القتال هادى واللاعبين ياخدوا نفسهم عشان يركزوا تانى».. يؤكد «تايجر» أن استخدام الآلات الإيقاعية جزء أصيل من اللعبة، وأن استخدام الطبلة يأتى بمثابة دق طبول الحرب إيذانًا ببداية المعركة.

أما عن ردود فعل جمهور الشارع فتختلف تمامًا من البداية إلى النهاية: «للوهلة الأولى رد الفعل بيبقى تريقة من الناس لأن كل فكرتهم عن التحطيب إنه رقص بالجلابية والعصاية، لكن لما بيشوفوا اللعبة ويسمعوا صوت العصيان بتخبط فى بعضها وقوة اللعيبة، بيعرفوا إن الموضوع مش هزار ورقص، وإنها لعبة قتالية قوية».

ناصر الرفاعى: التحطيب هينتشر بسبب حب الأجانب للفراعنة

قضى الكثير من وقته يفتش عن لعبة يمارسها لبقية حياته، يبحث عن الشغف الذى يجعله يكمل الطريق إلى النهاية، ذهب إلى كل مكان حتى إنه وصل إلى الفلبين، ومارس لعبة فلبينية تستخدم العصى كأداة لها، وعندما تعلق الأمر بالعصا كان عليه أن يعيد التفكير فى الأمر، فمصر أولى من الفلبين بعصاه.

«كنت بلعب لعبة تشبه التحطيب من أصول فلبينية، لكن باستخدام عصاية أقصر، لحد ما عرفت إن فى رياضة مصرية عمرها أكتر من 5000 سنة».. هكذا بدأت علاقة ناصر الرفاعى، الرجل الأربعينى، برياضة التحطيب الحديث، لكنه عرفها من وقت قريب من سبعة أشهر فقط لا غير.

يقول «الرفاعى»: «سمعت عن اللعبة وجذبتنى وحبيت أتعرف عليها أكتر، فقابلت الدكتور عادل بولاد، وبدأت أتمرن معاه من 7 شهور، وكونى متخرج فى كلية التربية الرياضية خلانى ملم بكل أنواع الألعاب وقدرت أفهم اللعبة وقواعدها فى وقت قصير».

يتحدث عن أكثر ما جذبه فى الرياضة العتيقة: «اللى شدنى فى التحطيب حاجتين: الأولى إنها رياضة مصرية أصيلة من أقدم الرياضات الموجودة فى العالم، والثانية إن الدكتور عادل جمع كل أسرار اللعبة من جميع أنحاء الجمهورية، وعرف كل تفاصيلها، وبالتالى بقت لعبة كاملة من جميع الجهات».

لا يريد «الرفاعى» أن يبقى التحطيب مجرد فقرة فى حفلات الزفاف، فبالنسبة إليه الأمر أكبر من ذلك: «الرياضة دى من الحاجات المهمة اللى بتنمى الفرد، وعلشان كده مكانش ينفع تبقى مجرد لعبة فى الأرياف وتستخدم فى الأفراح والاستعراضات بس، لأ لازم ننميها ونطورها، ونخليها تلف العالم كله».

«حابب أوصل اللعبة للعالم، لأنها كده كده هتنتشر فى مصر، الأهم إن العالم كله يشوفها زى بقية الألعاب الرياضية، وعندنا ميزة إن العالم بيحب أى حاجة فيها مصر ومتعلقة بالفراعنة، وده بيخلى مستقبل اللعبة كبير وعظيم، لكن مش عارف ممكن ناخد كام سنة لتحويلها إلى رياضة عالمية».

يرى «الرفاعى» فى لعبته المفضلة سبيلًا لتعريف العالم على الثقافة المصرية، ويكثف حاليًا من تدريب فريقه لينافس فى البطولات المحلية المقبلة، ويحقق مراكز متقدمة.