رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تكشف: مافيا تهريب الصقور المصرية النادرة إلى قطر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

فى محافظات الإسماعيلية والشرقية والوادى الجديد وسيناء والبحر الأحمر ومطروح والإسكندرية، تنتشر تجارة خفية، وهى تجارة صيد الصقور وتهريبها إلى دول الخليج، قطر تحديدًا، بأسعار باهظة، قد تصل إلى 100 ألف دولار للصقر الواحد. الدكتور مصطفى فودة، خبير البيئة رئيس قطاع حماية البيئة السابق، قال إن قطر بورصة للصقور المصرية، مشيرًا إلى أن مجموعة من الأشخاص المعروفين من تجار الصقور وعاملين فى المطارات، يديرون هذه التجارة علي حد قوله.

فى هذه السطور، تكشف «الدستور» عن أسرار تجارة صيد الصقور التى يقوم عليها عدد من كبار التجار، بالتعاون مع أثرياء خليجيين لتهريبها، بالمخالفة لقانون البيئة الذى يجرم هذه النوعية من الصيد.

3آلاف شخص فى «وادى الملاك» يحترفون المهنة
نعيش على هذه المهنة دون غيرها، نعمل شهرين طوال العام وربما أكثر أو أقل، لكن من يحالفه الحظ يجنى آلاف الجنيهات، خاصة أولئك الذين يعملون فى هذه المهنة منذ سنوات، ويشكلون مجموعات للصيد، ويبيعون ما يصطادونه بملايين الجنيهات».. هذا ما قاله أحد الأعراب فى منطقة «وادى الملاك» الواقعة بين محافظتى الإسماعيلية والشرقية، الذى كشف عن تجارة خفية يطلق عليها الأعراب «مهنة الثراء السريع»، وهى صيد الصقور». منطقة «وادى الملاك» بمحافظة الإسماعيلية، يقطنها أعراب من عدة قبائل، التقت «الدستور» بعدد منهم، إذ قال «حماد. ر» إن هذه التجارة موجودة من عشرات السنين، يديرها عدد من كبار التجار بالتواطؤ مع عاملين بالمطارات، وأشخاص خليجيين من دول قطر والسعودية والكويت والبحرين، لولعهم بتربية الصقور». يضيف «حماد»، الذى نجح فى صيد صقر من نوع «شاهين» مع 3 أشخاص آخرين، أن عمليات الصيد تتم من قبل مجموعات من صيادى الصقور من مختلف الأعمار، يصل أعدادهم إلى 3 آلاف شخص، فى منطقة «وادى الملاك» فقط، فالجميع يعملون بهذه المهنة فى الإسكندرية والوادى الجديد وشمال سيناء والعاشر من رمضان وغيرها من المناطق الصحراوية».

وأوضح أن مافيا تجارة الصقور، بدأت من أكثر من 40 عاما، مشيرًا إلى أن العاملين بها يصطادون من 30 إلى 40 صقرًا سنويًا فى موسم يبدأ من شهر أكتوبر وينتهى فى ديسمبر، وفى الموسم الماضى نجح 4 أشخاص فى صيد 4 صقور تم بيع الواحد منها بسعر 350 ألف جنيه.

300 ألف جنيه ثمن الصقر بشرط خلوه من الجروح


طرق متعددة لصيد الصقور، يسردها الشيخ سلام، أحد عربان العاشر من رمضان، أولاها «الفخ» وهى ربط حمامة أو غيرها من الطيور التى تصيدها الصقور، فى فخ من حديد، ووضعها فى مكان ظاهر للصقر، وبمجرد اقتراب الصقر لصيد الحمامة يقع فى الفخ، والطريقة الثانية هى إغماء عينى «الطير» كما أطلق عليه «سالم» وهو اليمام أو الحمام، ومراقبته أثناء الطير فى السماء، حتى يقع على الأرض، وعندما يقترب منه الصقر يتم صيده».

الطريقة الثالثة، وفقا للشيخ سلام، هى لف جسم اليمامة أو الحمامة بشبكة من الخيوط المتينة عدا الأرجل والأجنحة، وتثبت هذه الشبكة بحبل متين مثبت بوتد فى الأرض، وعندما تتم رؤية الصقر يحلق فى السماء يتم إطلاق اليمامة لترفرف فى السماء فينقض عليها الصقر لتتشابك مخالبه بالشبكة الملتفة حول اليمامة ثم تجر اليمامة للأرض.

وأوضح أن أنواع الصقور كثيرة وكل نوع له قيمته المادية، حيث يوجد«الشاهين والوكرى والشاهدى»، والحر الوافي، الذى يعتبر أغلى الأنواع بعد «الشاهين»، الذى يتجاوز سعره 300 ألف جنيه، فى كثير من الأحيان، مشيرًا إلى أن هناك ضروريات يجب اتباعها خلال الإمساك بالصقر، أولها أنه يجب ربط عينيه بعصابة حتى لا يرى نفسه رهينًا، وأن تتعامل معه بهدوء تام حتى لا تتساقط ريشة واحدة من جسده، وألا يعرض لجروح وهو ما يخفض سعره.

وأشار إلى أن تجار الصقور يقومون بفحص دقيق للصقر قبل شرائه، لأن هناك مواصفات خاصة يجب أن تكون مكتملة فى الصقر وعلى أساسها يتحدد سعره، منها طول الصقر نفسه، وطول أجنحته، وبناء عليه يتم تحديد السعر».

يضيف موسى وهو أحد عربان قبيلة «البياضية» بالإسماعيلية، أن هناك المعلم أو الكبير كما يطلق عليه العاملون بالمهنة، وهو الذى يجمع الصقور من مناطق الصيد المختلفة فى المحافظات، والتى تصل أعدادها إلى «30 -40» صقرًا فى مختلف المناطق، ويتفق بدوره مع مسئول بالمطار معروف للعاملين فى مجال صيد الصقور رفض ذكر اسمه، يأخذ عملة قدرها 50 ألف جنيه على كل صقر يقوم بتهريبه إلى الخارج لصالح أمراء «خلايجة» .

اتهام مسئولين بالمطارات وأمناء شرطة بالتورط فى العمليات


يشير موسى، الذى طلب عدم نشر اسمه كاملا، إلى أن هذين الشخصين: «المعلم» ويدعى « خ. م» و«مسئول المطار»، الذى طلب عدم ذكر اسمه، هما اللذان يديران المافيا والتى تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات سنويا، وأن هناك «عزومات» تتم بصورة دورية لمسئول المطار آخرها فى شهر ديسمبر الماضي، وشهدت «العزومة» ذبح أكثر من 10 عجول، وحضور كبار العاملين بالصيد وتجار جمع الصقور، وعدد من العرب من مختلف القبائل، بالإضافة إلى تنظيم رحلات برية لكبار المسئولين بالمطار». ووفقًا لبيانات رسمية من الجهات الأمنية، فإن سلطات المطار والجمارك نجحت خلال الأربعة أشهر الماضية فى ضبط أكثر من محاولة لتهريب الصقور للخارج، فبتاريخ 18 نوفمبر الماضى أبطلت سلطات الأمن بمطار القاهرة، محاولة تهريب ٢٤ صقراً، بقيمة ٦ ملايين جنيه، داخل حقائب أحد الركاب المسافرين إلى دولة البحرين، وقبلها بأسبوعين نجحت سلطات الجمارك بمطار القاهرة أيضا، فى إحباط محاولة تهريب ٢٦ صقراً.

كما تمكنت أيضا مباحث مطار القاهرة من ضبط 3 أمناء وضابط شرطة بمطار القاهرة، بتهمة الحصول على رشوة مالية من راكب مصرى مقابل تسهيل تهريب 41 صقرا إلى البحرين عبر مطار القاهرة.

وكشفت التحريات والتحقيقات أن راكبًا مصريًا اتفق مع ضابط بمديرية أمن القاهرة على تهريب 41 صقرًا إلى البحرين كان ينوى بيعها لأمراء عرب مقابل حصول الضابط على رشوة مالية كبيرة، إذا اتفق الضابط المتهم مع 3 أمناء شرطة يعملون بمطار القاهرة على تسهيل تهريب الصقور ومرورها من أجهزة التفتيش مقابل حصولهم على جزء من الرشوة المالية التى تقاضاها من الراكب المصري. كما تبين من التحريات والتحقيقات أنه أثناء إنهاء إجراءات الطائرة المصرية المتجهة إلى المنامة، اشتبه رجال إدارة تأمين الركاب، فى أحد الركاب حيث ظهرت أجسام معتمة داخل حقائبه على جهاز كشف الأشعة الأكس راى، وبفتح حقائب الراكب عثر على 41 صقرًا مخدرًا، حيث أقر الراكب أن الصقور متجهة لصالح عدد من الأمراء العرب لتدريبها على الصيد، وأن سعرها يصل إلى 12 مليون جنيه.

عرب الطحاوية:هواية ورثناها عن جدودنا
«الدستور» نجحت فى الوصول إلى أحد أعراب «الطحاوية»، الذى قال إنه بعد انتهاء موسم صيد الصقور الذى يبدأ فى شهر أكتوبر، وينتهى فى ديسمبر، ويبدأ مرة أخرى موسم الردة فى شهرى مارس وأبريل.

ويضيف أن أعراب الطحاوية لازمتهم هذه الهواية منذ قدومهم شرق مصر قبل قرنين من الزمان وتفردوا بها، وعندما كانت لهم هجرات لبادية الشام وجدوا قبائل عنزة ُتمارس هذه الهواية العريقة، ولفت هذا نظر كل الأجانب الذين زاروا مصر خلال القرنين الماضيين، فشاركوهم رحلات الصيد، مما دفع الحكومة المصرية أن تصرح لهم بالصيد وتؤجر لهم أراضى ولمدة عام لممارسة الهواية.

واستكمل: استمر الحال حتى بعد ثورة 1952، ضاقت الصحراء بالجيوش وعتاد الحرب وعزف الشيوخ عن ممارسة الهواية ردحاً من الزمن، ولكن بقيت كامنة فى النفوس، إلى أن قيض الله لدول الخليج فتحاً من الخير الوفير فنهضوا ينمون هذه الهواية لديهم، والتفتوا إلى هذه البقاع فصار تعاون وانتعاش من جديد، وهب الهواة فى صناعة أدوات الصقارة بأنفسهم وبالاستعانة بذاكرة أيديهم وبذاكرة من بقى من الشيوخ، وتبادلوا رحلات القنص هنا وهناك، خلف ذلك كثيرًا من الوعى الثقافى لهذه الهواية، وفتحت أبوابًا كثيرة للتعارف، وانتشرت الهواية فى أرجاء المعمورة ، ولكن هناك خط أحمر اسمه «قانون البيئة.

أسرار هروب خليجيين من التفتيش
قالت مصادر بمطار القاهرة، إن هناك عدة طرق للتهريب، أولاها تخدير الصقور ووضعها فى حقائب مع اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحمايتها خلال محاولة التهريب، مثلما حدث فى حالة ضبطتها سلطات التأمين بمطار القاهرة الدولي، ضمت ٥ صقور بقيمة 1.5 مليون جنيه بحوزة راكب سعودى أخفاها داخل حقائبه، محاولاً تهريبها إلى البحرين.

لكن الطريقة الأخرى التى كشف عنها الشيخ صالح من قبيلة «معاذه» بالإسماعيلية هى أن الأمراء والخلايجة يسجلون فى جوازات سفرهم أثناء دخولهم إلى مصر طيورًا من أنواع رديئة منخفضة السعر، ويقومون بتبديلها فى مصر وأخذ الصقور مرتفعة الثمن مثل شاهين، وينجحون بالتنسيق مع بعض العاملين بالمطار فى تهريب الصقور». ووفقًا لأحد عربان الإسماعيلية، طلب نشر ذكر اسمه، فإن هناك عائلة تسيطر على تجارة وصيد الصقور وجمعها وتهريبها، تدعى «الطحاوية»، وأن المعلم أو كبير التجَّار من هذه العائلة ويعيش فى دولة قطر، ويأتى فى مواسم صيد الصقور فقط لجمعها من الصيادين وتهريبها عبر مسئولين فى المطار من هذه العائلة، مشيرًا أن الضابط وأمناء الشرطة الذين تم القبض عليهم فى نوفمبر الماضى لمحاولتهم تهريب 40 صقرًا من هذه العائلة، يعملون لصالح «المعلم».

وأشار إلى أن هذه العائلة من كبرى العائلات فى مصر والتى تنتمى إلى إحدى قبائل العرب ولها تاريخ طويل فى الصيد، ولها علاقات كبيرة فى جميع الجهات المسئولة بالدولة.



القانون يمنع بيعها حية أو ميتة

وتنص المادة 28 من قانون البيئة المصرى رقم 9 لسنه 2009، على أنه يحظر بأى طريقة صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيوانات البرية، التى تحدد أنواعها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، ويحظر حيازة هذه الطيور والحيوانات - التى جاءت الصقور بينها- أو نقلها أو التجول بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة، كما يحظر إتلاف أوكار الطيور المذكورة أو إعدام بيضها.

وحددت اللائحة التنفيذية لهذا القانون المناطق التى تنطبق عليها أحكام هذه المادة وبيان شروط الترخيص بالصيد فيها، وكذلك الجهات الإدارية المختصة بتنفيذ أحكام هذه المادة، كما تنص المادة 84 من القانون نفسه فيما يخص العقوبات، على أنه يعاقب كل من خالف أحكام المادة 28 من هذا القانون بغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه مع مصادرة الطيور والحيوانات المضبوطة وكذلك الآلات التى استخدمت فى المخالفة.


وزير البيئة :برلمانيون طالبوا بعدم تجريم الصيد
قال الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة، فى تصريحات لـ «الدستور»، إن الوزارة بالتعاون مع الجهات الأمنية نجحت فى ضبط أكثر من قضية خلال هذا العام، مؤكدًا أن ما يتم هو صيد الصقور وتسفيرها إلى الخارج بأسعار مرتفعة، موضحًا أن قانون البيئة يمنع ويجرم صيد الصقور خاصة الأنواع النادرة، مشيرًا إلى أنه تمت مناقشة أزمة صيد الصقور فى البرلمان، حيث إن بعض النواب طالبوا بعدم تجريم صيد الصقور، وما زال الأمر قيد المناقشة».

وأشار وزير البيئة، إلى أن هناك تصورًا لدى التجار والصيادين بأن الصيد شىء طبيعى ورزق من الله، مشيرًا إلى أن الوزارة تراجع ملحق «أ. ب» من اتفاقية التنوع البيولوجى والتى تشمل الطيور البرية، لتحديد الأنواع المهددة بالانقراض والحجم المسموح به للصيد وطريقة الاتجار.