رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعترافات روائية في ذكرى الثورة التي لم تحدث


أى دافع يحرك التنين القابع فى كهفه محاطًا بالأمان، كى يخرج رأسه وينفث من ناره بعض ألعابه البهلوانية، فيهرب المارة فزعًا، عدا الصغار الذين يدركون حقيقة الأشياء قبل أسمائها، وحده التنين يعرف من أين تستولد النار، يتذكر كيف ابتلع الشمس ذات مساء، كيف احتملها فى جوفه.



حدث ذلك فى قديم الزمان، عندما كان الكون مرآة بمساحته وعمقه، فكان كل منا يرى نفسه فى الآخر، حينما كان هناك زوجان من كل شىء.. شمسان، قمران، نهاران، وكان الكل مكتمل حد الاكتفاء، وكان من يدرك حقيقة التنين الجالس فى كهفه مستكفيًا بحاله، يأتيه صوت «أم كلثوم» حاملًا التساؤل الحائر دومًا والذى يظل معلقًا فلا يستقر على أرصفة الطرقات أو يجلس متئدًا على كراسى المقاهى، أين من عينى حبيب، فيه عز وجلال وحياء؟ فينفث التنين لهيبًا يخفف لوعته عمق المسافة ما بين الباطن والظاهر، فيزداد حر أغسطس ويتأخر مقدم الخريف لما بعد يناير.

أشياء تترتب على أشياء لم تحدث ولا مفر

حينما يرسل زميل فى العمل برسالة يطلب فيها رأيًا عن شىء، ويرغب فى أن يحفزنى أو يستعجلنى فيكتب «عاجل»، «مطلوب على أقصى سرعة»، «مهم جدًا»، لا يعرف الزميل أن عبارته، تستنفر جينات السخرية داخلى: مهم لمن؟ وعاجل لماذا؟ فالعالم يتحرك على قضبانه سواء ركبت القطار أو نزلت منه.. تسقط من حساباتى أهمية الأشياء وتتساوى، تصبح كالحة، ليست قديمة، عتيقة، تثير الذكريات، لكنها كالحة بلا روح أو معنى، ويصير السيرك هو المكان الأصدق فى عالمنا.. التغيرات، التقلبات، الحركات البهلوانية، ترقب خطأ الرامى.. تنغرس السكينة فى رأس البنت، تنجو التفاحة لتسقط فى يد طفل ويهلل المشاهدون.

لو أن جدتى كانت تعلم أن المجد سيكون للبهلوانات ما تنكرت لأصولها الغجرية، وما تنكرت للموالد وألعاب النار، عندما تتحول الطقوس إلى قاعدة، تتحرك مكابح الكسل واللامبالاة وتقمع لدى أى رد فعل، المجد للدفع الذاتى، الحياة للكسل، ولتبقى صرخة: ليسقط كل الذين يكتبون عما لا يعرفون، والذين يرسمون خرائط على الورق ويضلون طريقهم فى الحوارى والطرقات غير المرصوفة، فلتسقط كل القطرات التى إذا ما تبخرت لم تتكثف فى سحابة ولم تغُد مطرًا يروى من الظمأ.

فى ذكرى الثورة التى لن تحدث

أنا لا أحب طعم البروكلى.. لا أحب طعم الخرشوف.. لا أحب طعم المشروم، ولكنها مثل كثير من الأشياء التى لا أحبها، لكنى أتعاطاها، أتفهمها، كالحكايات التى لابد وأن تنتهى، ككرة التنس التى لابد وأن ترتد، كالحروف التى تملأ فراغ الصفحة وتزيد فراغ الروح، كالتجاعيد التى لابد قادمة، كالشهداء الذين تزداد أعدادهم.. أنا أوهم نفسى بأنى أحب كل الأشياء، أنا أرتدى قناعا، وطالما أرتدى هذا القناع فسأقاوم موتى لأنى بالفعل ميتة