رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حسن البنا.. صانع الوهم


وقف كثير من الباحثين عند شخصية سيد قطب وأثرها فى جماعة الإخوان، وكان المستفاد من دراسة فكر سيد قطب أنه هو الذى أدخل الإخوان إلى التطرف والإرهاب وقسم المجتمع إلى قسمين، قسم المجتمع المسلم المؤمن الذى يسعى لتطبيق الإسلام، وقسم المجتمع الجاهلى الذى يحارب المجتمع المسلم، ولكن هذا التفسير لفكر الإخوان ومسارهم عبر تاريخهم هو فى الحقيقة تفسير مخل، حيث أبعد هذا التفسير حسن البنا عن دائرة التطرف...


... واعتبره صاحب الفكر الوسطى الذى انحرفت الجماعة عنه، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، فحسن البنا هو صاحب الفكر التكفيرى المنحرف، يبدو ذلك جلياً من رسائله ومقالاته ومذكراته بل وحياته كلها خاصة رؤيته لنفسه وتقديسه لها. كان إحساس البنا بإماميته للأمة ظاهراً حين أطلق على نفسه لقب «الإمام» حينما كان لا يزال فى بدايات شبابه، والحق أن الغلام الصغير حسن البنا الذى لم يكن قد شب عن الطوق بعد أن كان يتنفس أكسجين «الإحساس بالذات»، فقد أُشربت شخصيته روح الزعامة لدرجة أنه كان يشعر وكأنه هو الإسلام وكأن الإسلام هو، أو على أقل تقدير كأنه هو الذى أرسله الله على رأس مائة عام كى يجدد للأمة أمر دينها، أو كأنه هو المهدى المنتظر من أهل السنة، والإمام الغائب عند أهل الشيعة.

وفى هذا السياق يقول المرحوم محمود عساف، سكرتير حسن البنا، فى مذكراته ناقلاً كلمات قالها له البنا «انظر يا محمود إن الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلماً ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام فى شخصه، وبالتالى يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معاً فلسنا جمعية ولا تشكيلاً اجتماعياً ولكن نحن دعوة فلابد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره».

وضع حسن البنا نفسه فى مصاف النبى صلى الله عليه وسلم، فلطالما أن إسلام المرء لا يتم إلا بإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن إيمان الإخوانى لا يتم إلا إذا آمن بحسن البنا، وضع البنا نفسه فى مقام النبي، ووضع كلمة الدعوة فى مقام الإسلام، وعلى هذا الأمر سار الإخوان، فهم يقولون دائماً عن حسن البنا إنه «صاحب الدعوة» وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم تنازل عنها للبنا، وسبحان الله! مرة يقول فريق من الشيعة إن «الدعوة كانت لعلى بن أبى طالب» ومرة يقول الإخوان «إن البنا هو صاحب الدعوة» وكأن هناك تنازعاً فى ملكية الدعوة!.

وهو فوق ذلك صنع لنفسه فى أذهانهم صورة ملائكية، فقد صور نفسه كإمام تجرى الخوارق على يديه، ففى كتابه مذكرات الدعوة والداعية يقول عن أمر شق عليه عندما كان طالباً، ذلك أن امتحانه فى معهده كان على وشك الانعقاد وهو لم يتم مذاكرته بعد فجاءه فى المنام ملائكة أعطوه الامتحان وذاكروا له فحفظ الإجابات ولذلك نجح فى الامتحان وتفوق فيه! ويالحظه الجميل فالله أرسل له فى المنام من يذاكر له الدرس الذى تهاون فى مذاكرته، فكان الدرس الخصوصى، وكان النجاح.

ولأن البنا فى ضميره وضمير الإخوان هو صاحب الدعوة، لذلك يجب أن يكون فهمه للإسلام هو الفهم المعتمد الذى لا يجوز مناقشته أو الاختلاف فيه، و هذا هو ما أَكد عليه البنا لأعضاء الجماعة، إذ أوضح لهم أن الإسلام لا يُفهم إلا فى حدود الأصول العشرين التى وضعها لهم، لا يجوز لهم أن يضيفوا لها أو أن يحذفوا منها، فإذا ما أرادوا فهم الإسلام فيجب أن يطرقوا باب البنا الذى معه مفاتح الفهم وحده، ولتأكيد هذا قال فى تفسير ركن «الفهم» الذى هو أحد أركان البيعة: إنما أريد بالفهم أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه فى حدود الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز. وحينما وجد أن الجماعة ضمت بعض الشباب الذى يفكر ويناقش ويجادل أراد أن يخضعهم لطريقته وأسلوبه وفهمه هو وحده، ولما لا وهو الإمام المهدى الذى أرسله الله ليجدد للأمة أمر دينها!! هو الإمام الذى لديه كنوز من المعرفة الربانية كنزها لنفسه وأعطاها لأصحابه القطرة وراء الأخرى!! لذلك قال فى أحد الأيام للشيخ الشاب الدكتور عبد العزيز كامل عندما وجده يفكر «أنا أعلم نوع تفكيرك و تمسكك بالسنة، وستأتى أيام و ظروف قد نختلف فيها، وأود فى هذه الظروف أن تترك رأيك لرأيي، ألا تطمئن إليَّ ».

وبذلك أغلق البنا على المسلمين أبواب الفهم، واحتكرها لنفسه، وما ذلك إلا لأنه وقر فى ظنه أنه «الإمام المهدي» الذى طال انتظاره، والذى يصحح للناس أفهامهم الدينية ويجعلهم قالباً واحداً، أما أولئك الفقهاء الكبار الذين اجتهدوا ووضعوا قواعد ذهبية فى تنوع الأفهام وتعدد الصواب واختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان فأولئك ليست الجماعة منهم فى شىء، إذ إنهم لا يعرفون إلا حسن البنا وحده، ولا يفهمون غير أفكاره، ولا يتقربون إلى الله بالدعاء إلا من خلال الأدعية التى جمعها البنا وجعل منها أذكاراً للجماعة. الخلاصة أن شيخهم البنا هذا حيَّر ألبابهم وسلب عقولهم وقلوبهم، وأصبح فى نظرهم مساوياً لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى أن الأستاذ محمود عبد الحليم رحمه الله يقول عنه فى كتابه الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ الجزء الأول «لقد كنت أحار فى تصور قول أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها عن رسول الله إنه كان خلقه القرآن، حتى لقيت حسن البنا وصاحبته فبدت الصورة تتضح أمامي»!!.

لا شك أن أفكار حسن البنا هى التى أوصلتنا إلى الحالة التى نعيش فيها حالياً، وما سيد قطب إلا واحد من الذين أخذوا من حسن البنا وصاغوا فكره بطريقة أدبية، وأسوأ ما نراه الآن هو أن نفراً من الذين ينتقدون الإخوان حالياً ينتقدونهم لأنهم فى زعمهم خرجوا عن فكر البنا، ومن ثم يريدون عودة الجماعة لهذا الفكر، وإلى هؤلاء أقول لهم: ومتى تركت الجماعة فكر البنا لتعود إليه ثانية؟.