رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سميرة موسى" راهبة الفيزياء التي أنجبت علمًا.. أبحاثها أحدثت ثورة في عالم الذرة.. ومصرعها لغز يرفض البوح بأسراره

جريدة الدستور

في مجتمع تفوح منه رائحة الثورية وصيحات الاستقلال المنادية برحيل الاحتلال البريطاني، ولدت الفتاة سميرة موسى علي أبو سويلم في الثالث من مارس عام 1917، لتفتح أعينها على كفاح أقرانها من بني قريتها سنبو الكبري التابعة لمركز زفتي بمديرية الغربية آنذاك، في ربيع جاء حاملا معه نسمات الحرية.

شبت "موسى" في بيت يشهد له القاصي والداني بعلو المنزلة، فمنزل الأسرة كان بمثابة برلمان مصغر، يتلقي فيه قادة الرأي وأعلام الفكر في مناقشات مستفيضة ومتجددة بشأن الأحداث الدائرة في بر المحروسة، في وقت كانت تشهد فيه مصر اندلاع ثورة 1919.

كانت الفتاة سميرة موسي ترقب بعينها وتتابع بشغف كل ما يدور حولها، فتعلق قلبها بقراءة الصحف، وأتمت حفظ القرآن الكريم، لاحظ والدها علامات النبوغ عليها مبكرًا، وذلك عقب قراءتها لنعي الزعيم الراحل سعد زغلول من الجريدة، قبل أن تعاود تكراره مرات أخرى علي مسامع الحاضرين دون النظر إلي الجريدة مرة أخرى، لتجذب الأنظار إليها وتنتزع آهات الإعجاب.

استطاعت " موسى" أن تكسر التابوت وتحطم كل القيود المفروضة علىي المرأة في تلك الحقبة، حيث إن المجتمع كان يتعامل معها باعتبارهًا وعاء للإنجاب ويقتصر عملها علي الطهي وتنظيم شئون الأسرة.

آمن الأب بقدرات ابنته إيمانا بالغا أعلى مراتب اليقين، جعلته يحمل حقائبه مغادرًا مسقط رأسه، قاصدًا قاهرة المعز، ريثما تتمكن من استكمال دراستها، وبالفعل كانت علي قدر المسئولية، حيث اجتازت المراحل الدراسية الواحدة تلو الأخري بتفوق شديد، حتي حصدت المركز الأول علي مستوي القطر المصري في شهادة التوجيهية سابقًا " الثانوية العامة حاليًا".

اختارت سميرة موسي السير عكس التيار السائد في المجتمع آنذاك، الذي يصنف كلية الآداب والهندسة كإحدى كليات القمة، حيث التحقت بكلية العلوم جامعة فؤاد الأول سابقًا "القاهرة حاليًا" وتحديدًا قسم الفيزياء، لتلتقي في تلك الفترة بالأب الروحي لها الدكتور مصطفي مشرفة أول عميد لكلية العلوم، حيث حدث بينهما نوع من التزواج الفكري والروحي، جعلها تقتدي به إلي حد بعيد في سيرته العلمية والعملية.

درست "موسي" الديناميكا الحرارية في معامل الجامعة، قبل أن تحصل علي منحة دراسية في جامعة كاليفورنيا، وهناك استطاعت أن تداعب الخيال العلمي، وتترجمه إلي نظريات ومعادلات حقيقية، تأرجحت الأقاويل بشأن تلك المعادلات عن توصلها لسر صناعة القنبلة النووية، حيث أحدثت أبحاثها ثورة في علم الذرة.

في تلك الأوقات كان العالم يعيش في ذروة عصر الذرة والقنبلة الذرية، فكان العالم مازال يتداعى من أثر القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة علي جزيرة هيروشيمًا اليابانية، بالإضافة إلي ظهور الكيان الصهيوني في الجسد العربي، وإعلانه تبني مشروعًا خاصا مرتبط بالطاقة النووية، الأمر الذي دفعها للمطالبة بضرورة تصنيع مصر للقنبلة الذرية، لأجل إحداث التوازن المطلوب مع المجتمع الدولي.

حاولت الولايات المتحدة استمالة "موسي" في اتجاه حصولها علي الجنسية الأمريكية، لكنها رفضت تلك المحاولات، مقررة العودة إلى وطنها الأم مصر لاستكمال مشروعها الدراسي، لكن جاءت رياح الغدر لتقضي علي آمالها، بعد اغتيالها في حادث سير غامض، حامت الشبهات حول تورط السائق الهندي قائد السيارة، بالإضافة إلى الممثلة راقية إبراهيم، والتي ترددت أقاويل حول استخدامها من قبل المخابرات الأمريكية والإسرائيلية للإيقاع بـ" موسي" خاصة وأنها كانت واحدة من أقوى أصدقائها، ليبقي حادث مصرعها غامضًا إلي الآن عصيا عن الحل.