رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجديد الخطاب الدينى أم تبديل؟


يجب تحديد مضامين «الجهاد» فى الإسلام إذ إن كل الجماعات الإرهابية ترفع راية الجهاد فى سبيل الله، فأين أنت يا أزهرنا من فهمهم، هل الإسلام عندك كما هو عندهم دين السيف والغزو؟!



كان مقال الأسبوع الماضى عبارة عن رسالة من الصديق عاطف عواد أرسلها لى من غربته ودارت حول تجديد الخطاب الدينى، وقد لمس عاطف فى رسالته مشكلتين، المشكلة الأولة تتعلق بالخطاب والمشكلة الثانية تتعلق بالخطباء، والحقيقة أننى أرى أن هذا من ذاك وأنها فى الأصل مشكلة واحدة لا مشكلتين، بل إن المشكلة الآن فى مجتمع بأسره تم محاصرته بخطباء المنابر وخطباء الجماعات وخطباء الأحزاب وخطباء القنوات الفضائية الدينية، وهم جميعهم يؤمنون بخطاب واحد يعتمد على النقل ويجافى العقل، ويختلفون فقط فى الوسائل، وحينما يختلفون فى الوسائل يرى بعضهم نفسه وسطياً، ويرى بعضهم نفسه سلفياً، ويرى بعضهم نفسه جهادياً، ويتصارعون جميعهم من أجل الوصول إلى الحكم، فهل تريد من هذا المجتمع أن ينتج جيلاً مبدعاً يعمل عقله ويخترع ويقدم للعالم حضارة، هذا خطاب تحول إلى خطباء وخطباء تحولوا إلى خطاب.

والحقيقة يا صديقى أننى لا أرى تجديد الخطاب الدينى، نعم لا أرى أهمية لتجديده، ولكننى أرى الأهمية الكبرى فى تبديله، إذ هو يستحق التبديل الكامل،فالخطاب الدينى هو الفهم الذى استقرت عليه الأمة أو معظمها أو على الأقل أكثريتها للنصوص الدينية، وفهم الأمة للدين يتكون خلال سنوات وعقود، ولكل أمة أن تفهم الدين وتمارس التدين وفقاً لواقعها وظروفها وثقافتها وأحوال عصرها، ولاشك أن القدماء فهموا الدين ونصوصه بشكل يتفق مع ظروفهم السياسية وواقعهم وجغرافيتهم، وبمعنى علمى دقيق، وفق «الجيوسياسية» التى كانوا فى معيتها، ونحن الآن فى زمن آخر وواقع آخر ودنيا أخرى، نعيش فى ظرف دولى شديد الاختلاف عن تلك الظروف الدولية التى عاشها القدماء، ونمتلك علوماً اجتماعية وسياسية لم تكن فى العصور الأولى، كان التفوق عندالقدماء للذى يملك القدرة على الحفظ، فبزغ نجم من أتقنوا الحفظ، بل وكان فخر الناس بهم لأنهم يحفظون، فكان الحافظ بن كثير والحافظ بن حجر والحافظ بن رجب وغيرهم، ولم يحدث أن افتخر أحدٌ بأحدٍ لأنه الفاهم بن فلان، وجاء زمننا فإذا بالحفظ يأتى فى مرتبة متأخرة عن الفهم، فها هى أجهزة الحاسب الإلكترونى تحفظ مئات مما كان يحفظه كل الحفاظ، فأصبح علينا لزاماً أن ننتقل من مرتبة «النقل» إلى مرتبة «العقل» ومن لزوميات مرتبة العقل أن نعيد قراءة القرآن الكريم، ونعيد فهمه على واقعنا دون أن نتقيد بما قاله العبادلة وابن كثير والقرطبى وغيرهم، ونقوم بتحديث علوم الحديث التى وقف المجتهدون فيها فلم يتقدموا منذ أن نشأت قيد أنملة، آن الآن لمدرسة العقل التى تعرض أصحابها لحرب ضروس عبر التاريخ آن لها أن تعود وتسود، فلا يصح أبداً أن يكون الله قد أمرنا فى كتابه الكريم بالتفكر والتدبر ونحن لا علاقة لنا بالتدبر والتفكر وإعمال العقل، بل كل ما تفعله مدارسنا الدينية هى النقل عن فلان وفلان وفلان!.

نقول للمؤسسات التى تنتج الخطباء اجتهدوا لأنفسكم ولزمنكم، واتبعوا ما أنزل الله، فيقول لك القائمون على هذه المؤسسات: «هذا ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون» نحن نتبع أسلافنا يا عزيزى، وهذا ما وجدنا عليه السلف الصالح من آبائنا! نقول لهم يجب تحديد مضامين «الجهاد» فى الإسلام إذ إن كل الجماعات الإرهابية ترفع راية الجهاد فى سبيل الله، فأين أنت يا أزهرنا من فهمهم، هل الإسلام عندك كما هو عندهم دين السيف والغزو؟! فلا تجد أذنا صاغية، تقول لهم: ما هذا الفهم الذى يبثونه ليل نهار بين الخلائق فيجعلون من الإسلام دينا يعيش دائماً فى أجواء الحرب، فعلى المنابر تسمع دائماً «اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم عليك باليهود والنصارى ومن والاهم، اللهم اجعل كيدهم فى نحورهم» فإذا بدين السلام والرحمة هو دين الحرب والقتال والكراهية، وعلى المسلم الصالح أن يتحول إلى جندى للدفاع عن الإسلام فى تلك الحرب الوهمية.

فى الإسلام الحركى يا أزهرنا يا من تنتج الخطباء ما يطلقون عليه البيعة، وهى بيعة يعتبرونها نصف الدين، ويقولون إن من مات وليس فى رقبته بيعة فقد مات ميتة جاهلية، لذلك يبايعون المرشد أو الأمير، وتكون الطاعة ملزمة لكل من بايع، يطيعه ولا يطيع قانون دولته، فهلا أخبرتنا عن تلك البيعة وحقيقتها؟ على قدر علمى أن البيعة كانت فقط للرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يوكلالرسول أحداً من أصحابه فى أخذ بيعة من أحد، لماذا؟ لأن البيعة أصلاً لم تكن للرسول ولكنها لله، لذلك قال الله «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيدهم» والبيعة هنا من البيع والشراء، البائع هو المسلم والمشترى هو الله، لذلك قال الله فى موضع آخر «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم» ولأن وحدانية الله منزهة عن الحلول والاجتماع بالناسوت لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم وكيلاً عن الله فى تلقى البيعة، وقد كانت هذه البيعة بمثابة العقد الذى دخل به هذا الشخص حراً ومختاراً إلى الإسلام، فكيف تحولت إلى عقد دينى منحرف يسيطر به واحد من الناس على مئات بل آلاف من البشر! فأين أنت يا أزهرنا من مواجهة تلك الأفكار وتبديلها.

وما هى تلك القصة العجيبة عند هؤلاء فى خصوص النسخ والمنسوخ،ولك أن تعلم يا صديقى على سبيل المثال أن الله سبحانه وتعالى حدد عقوبة الزنى بالجلد، ويقول فى القرآن الشريف فى بداية سورة النور: «سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون» أى انتبهوا أيها الناس، هذه السورة بآياتها فريضة فرضها الله، وفى هذه السورة آيات بينات، وهذا التنبيه من الله فى أول السورة ليتذكر المسلمون، ثم يحدد الله ما فرضه فى هذه السورة ومنه «الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» الجلد أيها المسلمون ولا شىء غيره، ولكنهم يديرون وجوههم إلى الناحية الأخرى ثم إذا بهم يقولون: الرجم للمحصن والمحصنة فقد قال البخارى فى صحيحه عن سيدنا عمر بن الخطاب: «لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم فى كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف» وإذا بحديث عمر رضى الله عنه يستخدم لفظ «فريضة» التى أوردها الله فى السورة بقوله «وفرضناها» فيكون نسخ الفريضة القرآنية بفريضة حديثية أو سنية! هذا يا صديقى بعض من كل ولنا عودة.