رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعلامنا وإعلامهم فى مواجهة الإرهاب


فرق كبير بين إعلامنا وإعلامهم فى مواجهة الإرهاب، فرق لابد أن نفكر فيه وأن ننتبه إلى أهميته وتأثيره كسلاح فعال فى وقت الشدة، وفى وقت الأزمة، وفى وقت الخطر، إن الإعلام الآن أداة فعالة سريعة التأثير فى الرأى العام وفى المواطنين وقت الخطر، وهذا ما أدركه الغرب منذ سنوات، وهذا ما يجعله يسيطر على الرأى العام المحلى وأيضاً العربى، ونحن كعرب نتلقى المعلومات ونتأثر بها دون فحص، ودون فرز أو تفكير فيما ورائها، ولكن الأهم هو أن الإعلام الغربى الآن كله يتعاون حينما يواجهه الخطر.

وفى مواجهة العملية الإرهابية الوحشية فى مدينة بروكسل ببلجيكا، وجدنا الإعلام كله فى بلجيكا وفى دول الاتحاد الأوروبى وفى أمريكا يتحدث بلغة واحدة تدين العملية ومرتكبيها، ورأينا كل قادة الغرب ومسئوليه الكبار يهبون بعد دقائق من العملية الإرهابية لإدانتها، وللتعاون فى إجراءات المواجهة، وفى عرض المعلومات والصور بشكل متزامن ومتسارع، ورأينا دموع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى عبر الفضائيات تنهمر، ولا تستطيع السيطرة على حزنها على القتلى والجرحى أثناء المؤتمر الصحفى العالمى لها، إلى درجة أنها قطعته بسبب شدة التأثر لسماع نبأ العملية الإرهابية فى بروكسل، وحجم الضحايا.

ولو توقفنا قليلاً أمام الإعلام الغربى، سنجد أنه يساند ويدعم الدولة، ولا تسمع كلمة عن حقوق الإنسان حينما أعلنت حالة الطوارئ، وحينما نزل الجيش البلجيكى إلى الشارع.

لم نسمع نغمات ناقدة أو هجومية على الجهات السياسية فى بلجيكا، ولم نسمع صوتاً واحداً معارضاً فى الإعلام ضد الجيش أو ضد الشرطة، وذلك لأن الأمن القومى يصبح له الأولوية، ولا شىء غيره تكون له الأولوية، ولا صوت يعلو على صوت الدولة لحمايتها، ولاتخاذ الإجراءات المطلوبة لحماية المواطنين، وللحفاظ على هيبة الدولة، ويصبح التضامن والتعاون مع الدولة ضرورةوواجباً لا أحد يناقش فيه.

إننا بقدر ما تألمنا لمقتل أكثر من ٣٤ فردا فى بلجيكا، وأكثر من ٢٣٠ جريحاً فى العمليات الإرهابية الثلاث البشعة ببروكسل، إلا إننا أيضاً وبنفس القدر نشعر بالاستياء أمام ما يحدث من إعلامهم حينما تحدث عملية إرهابية فى بلدنا، أو يذهب ضحيتها أفراد من الجيش أو الشرطة أو من أى مواطنين مصريين أبرياء، إن هذا يحدث لأن هناك تناقضاً سافراً بين ممارسات الغرب لحماية الدولة وأمنها القومى، وبين أقواله التى يصدرها لنا والتى يتشدق بها حول حقوق الإنسان، وهجومه على كل ما تدافع به بلدنا عن نفسها فى مواجهة الإرهاب.

إنهم فى الغرب يستبيحون أرواح الأبرياء من المصريين، ولا ينعتون الإرهاب بالإرهاب ولا يدينونه حينما يرتكب جرائم على أرضنا، بل نجد الإعلام الغربى يقف مجتمعاً ضدنا، وضد حقنا فى الدفاع عن بلدنا وأرواح مواطنيها وأرضها، وضد دولتنا ككل، فى حالة وقوع عملية إرهابية ضدنا على أرضنا يروح ضحية لها أبرياء، ويستشهد فيها جنود من خيرة شباب مصر، ويعلنون أنهم سوف يمنعون السياحة عن مصر، ثم يواصلون بقية خطوات المؤامرة الدولية لإضعاف مصر، وتفتيت قوتها، ولكنهم من ناحية أخرى حين يواجهون الإرهاب فى أرض غربية، فإنهم ينتفضون كأنهم كيان واحد فى مواجهته، ويتبعون كل ما يستلزم من إجراءات استثنائية أو ضرورية لحماية الدولة والمواطنين، ويتعاونون معاً كيد واحدة، وتتفق أبواق الإعلام على كيفية المواجهة الجماعية ضد الإرهاب، وهكذا يتم التأثير فى الرأى العام المحلى فى الدولة التى شهدت تفجيرات إرهابية، ومن ثم فى الرأى العام العالمى، وهكذا يتم تشكيل الرأى العام العالمى، ويتم بالتالى غزو الإعلام العربى بأخبار تتم صياغتها وإعدادها وفقاً لمصالح وتوجهات الغرب، وطبقاً لما يراد به تشكيل الرأى العام العربى.

إن هذا الواقع لكيفية تشكيل الرأى العام العالمى تؤكده حقيقة أن ٨٥ ٪ من مجموع المادة الإعلامية التى تبث للعالم تبعاً لإحصائيات منظمة اليونسكو، تقدمها٤ وكالات أمريكية وأوروبية، مما يجعلها تتحكم فى نوعية الأخبار ووسائل بثها للعالم، ثم يستقى العرب من هذه الوكالات معلوماتهم دون نقد أو تدقيق أو تحليل أو تفكير أو إعمال للعقل! وهكذا تسير الأمور ويصبح تشكيل الرأى العام العالمى فى يد الإعلام الغربى، اما إعلامنا العربى، وفى مصر بالذات، فهو إعلام مبعثر، فمعظمه تسوده توجهات أصحاب القنوات، والسياسات التى تتفق مع وجهات نظرهم، ولا يكون ذلك بالضرورة بما يخدم أمن الدولة، أو التماسك والتعاون فى مواجهة الإرهاب، رغم انه ضرورة قصوى الآن للحفاظ على الدولة المصرية التى تواجه حربا شعواء، أحد أسلحتها الإعلام الغربى الموجه ضدها من الغرب.