جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الديمقراطية التشاورية


فى دراسة للدكتور «دانييل ليتل» عالم الاجتماع يقول : ترتبط فكرة الديمقراطية التشاورية أو التداولية أو التواصلية بالسعى إلى تحسين صناعة القرار السياسى من خلال التوصل لآليات تسمح للمواطنين بفرص معقولة للمناقشة والتشاور حول السياسات والأهداف، وهى قائمة على فكرة أن التفضيلات السياسية والقيم الخاصة بالناس يمكن أن تصبح أكثر ثراء وملاءمة من خلال النقاش المنطقى فى محادثة بين أنداد، وأن تتحسن القرارات السياسية عن طريق هذه العملية، بمعنى أن الأفراد يصبحون أكثر حكمة من خلال تفاعلاتهم مع أشخاص آخرين أكثر فهماً وانفتاحاً على تداول الأفكار، ومن ثم تتحسن آراء الحشود .

إن كل دفع بأجندة سياسية معينة يشتمل لا محالة على مجموعة متباينة من الأهداف والمبادئ والحقائق : ما الذى نسعى لتحقيقه ؟ ما المبادئ الأخلاقية التى نحترمها كقيود على الخيارات السياسية ؟ كيف نفكر فى الخصائص السببية للعالم الطبيعى والاجتماعى الذى نعيش فيه ؟ والاختلاف السياسى قد يحدث نتيجة للاختلاف حول كل من هذه الأبعاد، والتشاور من حيث المبدأ مُنتظر منه أن يساعد المواطنين على تضييق نطاق الاختلافات حول الأهداف والمبادئ والحقائق، والمنظرون التقليديون للديمقراطية التشاورية، من عهد ما قبل سقراط إلى جوتمان وتومسون وفيشكين، يرون أنه من الممكن لأصحاب النية الحسنة إدراك أن المعتقدات والافتراضات التى يسوقونها أثناء التداول والتشاور قد تحتاج إلى تعديلات .

وفى التسعينيات حدث تغير مهم وهو السوشيال ميديا : المدونات والتعليقات ومناقشات تويتر وتعليقات الفيس بوك، عندنا هنا ملايين الناس يتفاعلون مع بعضهم البعض ويتحاورون ويتجادلون حول مختلف القضايا، لكن يبدو أنه لم يطرأ تحسن ملحوظ فى الوصول إلى تفكير أكثر استنارة ووضوحاً حول القضايا الأساسية، على جانب، قد نأمل فى أن يؤدى اتساع مجال النقاش والجدل حول القضايا وإشراك أعداد كبيرة من مواطنى العالم، إلى تعميق فهم الجمهور للقضايا والسياسات المعقدة، وعلى الجانب الآخر، يبدو أن لدينا أدلة على استمرار التفكير السطحى الضحل حول القضايا، وتخندق المواقف الأيديولوجية والعادات العميقة من قبيل العنصرية والهوموفوبيا والزينوفوبيا، يبدو أن الإنترنت تؤدى إلى زيادة فى جمود الآراء وضيق الأفق بقدر ما توسع وتعمق من تفكير الناس فى القضايا الجادة التى نواجهها.. فى تقرير مهم لمؤسسة Pew حول التشظى السياسى لعالم تويتر، وفى القلب من نتائجه نرى أن مناقشات تويتر السياسية تؤدى عادة إلى التشظى فى الآراء إلى جماعات متمايزة فى الأغلب الأعم من الأفراد والمواقع .