تهذيب وتأديب النفس
وإن الله قد بيّن خطر الأمانة وأنزلها منزلة خاصة وخوّف من حملها لأنها جماع الأخلاق وعمادها،فما من شعبة من شعب الأخلاق والخير الاجتماعى إلا إليها مردّها، وما من خصلة من خصال الشر إلا والخيانة أساسها وحقيقتها، وليست الأمانة هى أن تحفظ الوديعة حتى تؤديها إلى أصحابها ـ فقط ـ فإن هذه صورة من صورها وشكل من أشكالها،وإن السلطة فى يد الموظف أمانة فإن وضعها فى غير موضعها أو اتخذها وسيلة إلى جلب منفعة له أولأسرته أو لأصحابه فقد خان الأمانة، والقدرة على الحكم أمانة فى يد القاضى فإن زاغ عن الحق شعرة فقد خان، والعمل أمانة فى يد الأجير والصانع فإن قصر فى تجويده أوأفسد فيه شيئاً ولوكان الفساد خفياً لا يظهر فقد خان،واعتقاد الناس فى رجل الدين الصلاح والتقى أمانة فإن اتخذ هذا الاعتقاد سبباً إلى جمع المال وعمل من لحيته العريضة وعمامته شبكة لاصطياد الدنيا أو كتم الحق ابتغاء المكانة عند العامة أوالزلفى إلى السلطة فقد خان، إلى غير ذلك من الصور والأشكال، بل إن عمرك كله أمانة لديك فلا تنفق ساعة منه إلا فيما يرضى «صاحب الأمانة».
والحقيقة التى يجب أن نعترف بها أن الخيانة قد حلت محل الأمانة فى أخلاق ومعاملات المسلمين، وأصبح المسلمون لا يوثق بهم ولا يطمئن إليهم، وبالتالى فإن أوجب الحروب علينا هى أن نعلن على أنفسنا حرباً لا هوادة فيها ولا مسالمة حتى نحسن تأديبها وتهذيبها ونخلصها من رذائلها.
■ برلمانى سابق