جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

لا لهدم مبنى المقر


نحن شعب لا نعرف كيف نُخرج من الجافى «الشىء الردئ» حلاوة!! فقد وافق مجلس الوزراء بجلسته المنعقدة يوم الأربعاء 15 أبريل 2015 على هدم مبنى الحزب الوطنى «المنحل» على أساس أنه كان رمز الفساد فى الدولة. وهذا السبب وهمى ولا أساس له من الصحة، لأنه لو كان هذا صحيحاً لكان بالأولى أن تقوم الحكومات المصرية المتعاقبة بعد ثورة 1952 بهدم جميع القصور الملكية المنتشرة بالقاهرة والإسكندرية، بل بالعكس تم الاحتفاظ بها وتجميلها واستخدامها فى أغراض وطنية. بالإضافة إلى أن العصر الملكى جزء من تاريخ مصر فكان علينا أن نحتفظ بتلك القصور كشاهد على تلك الفترة بالإضافة إلى حُسن استخدامها لمنفعة الوطن. بالمثل بالنسبة لمبنى الحزب الوطنى الكائن بكورنيش النيل، أى نعم كان أحد رموز الفساد، فلماذا لا نحافظ على هذا الرمز ونُحسن استغلاله ليتعرف الجيل الجديد على فترة الفساد التى عانى منها المصريون. لكن الشىء المُضحك والمُبكى فى نفس الوقت أنه فى الوقت الذى قررت فيه الحكومة إزالة مبنى كان رمزاً للفساد، قام القضاء المصرى بتبرئة الفاسدين أنفسهم!! ليس هذا اعتراضاً على أحكام القضاء، فالقضاء له كل احترامه فيما يتخذه من قرارات بعد فحص دقيق، لكن هذا معناه أنه لم يكن هناك فساد!! بالإضافة إلى أن هذا المقر ليس هو الرمز الوحيد للفساد، فالمقار المماثلة منتشرة فى أنحاء مصر!!

أنا بنفسى شاهدت فى «كييف» العاصمة الأوكرانية، كل مبانى الحزب الشيوعى الضخمة قائمة بشموخ لم يقترب منها أحد بالهدم، على الرغم أن الشعب الروسى وقت الاتحاد السوفيتى عانى أشد المعاناة من الشيوعيين الذين أفسدوا الحياة اليومية. بل إن تلك المبانى صارت مزارات سياحية تحكى فترة مظلمة من تاريخ الشعب الروسى العظيم. أيضاً شاهدت فى مدينتى «بروكسل» و«لوفن» البلجيكيتين الأبنية التى تخربت أثناء الحرب العالمية الثانية، ويحافظ عليها البلجيكيون كتراث وطنى وعظة صريحة للأجيال الجديدة فى كيف تصنع الحروب فى الشعوب وتشوه الجمال، فيحجم الإنسان عن التفكير فى الحرب وعن محاربة أخيه الإنسان. لماذا لا يتم الاحتفاظ بهذا المبنى وتجميله من الخارج ومن الداخل أيضاً، بالإضافة إلى أنه مجاور للمتحف المصرى بالقاهرة، فيتم تخصيص قاعاته المختلفة لتحكى تاريخ مصر على مر العصور، ومن بين هذا التاريخ فترة الملكية، وفترة ثورة 1952 وما صاحبها من تأسيس الاتحاد الاشتراكى العربى، وفترة حكم السادات وما صاحبها من تأسيس الحزب الوطنى الديمقراطى، وفترة الفساد السياسى وما صاحبه من إساءة للديمقراطية، وكيف عاش المصريون تلك الفترة فى معاناة شديدة وظلم بيّن. التاريخ هو عظة المستقبل، ومن أدرك تاريخه جيداً، سوف يُحسن مستقبله ويتجنب ضعفات الفترات الماضية.

أرجو أن تكون هناك مراجعة لهذا القرار، أما الذين يصفقون ويهللون لهذا القرار فإن هؤلاء لهم مصالح شخصية وليست مصلحة وطنية لأنهم كانوا شركاء فى فترة الفساد!! كتبت هذا من منطلق وطنيتى الصادقة التى أعتز بها، ومن منطلق اعتزازى بالتاريخ. ومن تمسك بتاريخه لا يموت، ومتى مات فذكراه ستظل خالدة.


أستاذ بكلية الهندسة ــ جامعة الإسكندرية