أزمة أوكرانيا أم أزمة الطاقة.. أيهما يقود العالم إلى حرب عالمية رابعة «5 - 5»
لقد تبنت الصين استراتيجية محكمة لتنمية مقدرتها العـسكرية بما يضمن اتساقها مع مقدرتها السياسية والاقتصادية الصاعدتين صعـوداً متعاظماً، حتى تتسق جميع عناصر قوتها الشاملة فى وضع تأجج القوة وتتطابق مع معـطياتها الجغـرافية والتاريخية والحضارية، بما يضمن تحقيق توازن مكانتها وتستطيع أيضاً تحقيق التوازن الاستراتيجى المنشود مع الولايات المتحدة، وتتمكن من ازاحتها من على قمة هرم النسق الدولى الذى تربعـت عليه منفردة منذ انهيار الاتحاد السوفييتى، أو على الأقل مشاركتها فى قيادة النسق الدولى إما فى نظام ثنائى القطبية أو فى نظام تتعـدد فيه الأقطاب إذا تمكنت روسيا من تحقيق توازن مكانتها، ومن ثم يتم تطويرالنظام الراهن الذى أصبح يعـج بكثير من المتغـيـرات الدولية والإقليمية غاية فى الحساسية والتعـقـيـد، إذ لا يستوى أن ينتظم النسق الدولى فى ظل هيمنة قوة وحيدة.
ويشير الواقع إلى أن الصين قد بدأت فى تطبيق هذه الاستراتيجية بعـد أن أدركت أن الولايات المتحدة لم تتمكن من السيطرة على العالم إلا بعـد تطبيق استراتيجية ألفريد ماهان والتى ضمنها فى كتابه الذى أصدره عام 1902 Influence Of The Sea Power on History ببناء استراتيجية بحرية متفوقة، فسعـت الصين إلى امتلاك أسطول بحرى يستطيع حماية مصالحها الحيوية المنتشرة فى العالم، خاصة فى أفريقيا لتكون قريبة من مناطق استخراج المعادن الاستراتيجية حتى تعـزز مقدرتها فى التصنيع الحربى، ونجحت فى تشغـيـل أول حاملة طائرات، وتعاقدت مع روسيا لشراء نظام الدفاع الجوى «S 400» أحدث ما أنتجته الترسانة الروسية، وهو ما يشير إلى رغـبة الطرفين فى تطوير علاقتهما إلى تعاون وربما إلى تحالف لمواجهة المد الأمريكى والغربى فى اتجاه شرق آسيا وفى وسط وشرق أوروبا، وقد خصصت الصين 808 مليارات يوان «96 مليار يورو» كموازنة للإنفاق العسكرى لعام 2014 هى الأضخم فى تاريخها، وتُعـد ثانى أكبر موازنة فى العالم بعـد الولايات المتحدة حتى تؤكد عـزمها للمضى فى تنمية قدرتها العـسكرية.
وقد ورثت روسيا 75% على الأقل من المقدرة العسكرية السوفييتية، وتنازلت لها أوكرانيا عن الترسانة النووية التى كانت تُعـد ثالث أكبر ترسانة نووية فى العالم، والتى ورثتها عن القوة السوفييتية العظمى، وبذلك تٌعتبر روسيا قطباً ثانياً من الزاوية العسكرية على الأقل، وفى يقينى فإن هذا التحالف المحتمل بناؤه، لن يُحدث التوازن الاستراتيجى مع حلف الناتو فقط، بل قد يُحدث تفوقاً فى مقدرته العسكرية خاصة فى وسائل الردع النووى، وهو ما سيحول دون قيام حرب عالمية رابعة فى ظل توازن الرعب الذى قد ينشأ، حيث لا يمتلك الطرفان من وسائل الردع النووى ما يكفى لتدمير الآخر فقط، بل يمتلك كل منهما ما يكفى لتدمير العالم بأسره، وفى ظنى أن الولايات المتحدة والغـرب يسعـيان إلى تأجيج الأزمتين إلى الحدود القصوى للصراع دون السعى إلى إشعال حرب عالمية جديدة، حيث إنهما يدركان مدى تفوق الصين وروسيا فى الكتلة الحيوية، إذ تبلغ مساحة إقليميهما مجتمعـين ضعـف مساحة الولايات المتحدة وأوروبا، كما تفوق الكتلة السكانية للصين وروسيا الكتلة السكانية للولايات المتحدة والغرب أربع مرات على الأقل، وهو ما سيجعـل خسائرهما البشرية تزيد أربع مرات عما ستتحمله الصين وروسيا.
■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد