إتمام الفرائض واجب
الإتمام من جهة مفهومه: الإكمال، وأما مسألة الفرق بينهما فإن تمام الشىء: انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شىء خارج عنه، وإن كمال الشىء حصول ما فيه الغرض منه، وعليه فالتمام يستلزم الكمال، والأصل فيه قول الله - عز وجل -: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا» عدم وضوح فرق بينهما فيكونان مترادفين، ولم يظهر فرق بينهما فى المعنى الاصطلاحى.
الحكم التكليفى: إن إتمام ما شرع فيه المكلف من طاعة واجبة واجب بإجماع الفقهاء، إتمام ما شرع فيه من طاعة نافلة مختلف فيه، فيذهب الحنفية والمالكية - فى الجملة - إلى وجوب الإتمام أخذًا بظاهر قول الله - تعالى -: «تبطلوا أعمالكم» وهو الراجح.
والأثر الشرعى المترتب على الإتمام أنه طالما يعنى الإتيان بالأركان الضرورية فإن أثار أى تصرف قولى أو فعلى تتوقف على الإتيان بها وتبدو شعائر الحج مؤخرًا مما جهة الإتمام لها أو تركها اعتمادًا على وكالة فيما يقبل الوكالة «رمى الجمار، نحر الهدى فيما فيه الهدى» أو الترك لما لا يقبل الوكالة «الطواف بأنواعه، السعى بين الصفا والمروة، المبيت بمزدلفة ومنى ليلة الوقوف بعرفة، وأيام التشريق، من المسائل ذات الصلة بهذا الباب من العلم لقول الله - تعالى-: «وأتموا الحج والعمرة».
وجه الدلالة: ذهب جمهور الصحابة والتابعين - رضى الله عنهم - وجمهور الفقهاء منهم الحنفية والمالكية ومن وافقوهم إلى أن المراد بإتمام الحج والعمرة: الإتيان بهما تامين بمناسكهما المشروعة لوجه الله - تعالى -، وعلى المسلم إذا شرع فيهما أو فى أحدهما أن يتمه ويأتى به كاملاً وإذا لم يستطع إتمامه أوعدل عنه أن يعيده، وتكون الإعادة واجبة، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فى عمرة القضاء، ويكون المعني: ائتوا بالحج والعمرة كاملى الأركان والشروط والآداب خالصين لوجه الله - تعالى - فالأمر - بناء على هذا - منصب على الإتمام لا على أصل الأداء.
ومن لطيف ما ذكره العلماء: أمر الله - تعالى بإتمام الحج والعمرة دون غيره، لأن العرب كانت تقصد الحج للاجتماع والتظاهر والتفاخر، وقضاء الحوائج وحضور الأسواق، دون أن يكون لله - جل شأنه - فيه حظ يقصد، ولا قربة تقتصد، فأمر الله - سبحانه - المسلمين أن ينزهوا عباداتهم - وخصوصًا الحج - عما لا يتفق معها، وأن يقصدوا بأداء ما كلفهم الله - سبحانة وتعالى من الإخلاص والطاعة له سبحانه. إذا علم هذا فإن تذكرة طيبة لمن يعنيهم أمر «إتمام الحج والعمرة»:
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله تعالى - إعمالاً بمحكم شرع الله تعالى المطهر، وأخذًا بالراجح لقوة دليله وتحقيقه مصلحة ودفعه مفسدة، وإنفاذًا للاحتياط فى العبادات، وسدًا للاتباع المذموم فى ركن رئيسى من أركان الإسلام أوجب الله - تبارك وتعالى - تعظيم الشعائر والمناسك ومنها: «واذكروا الله فى أيام معدودات» واتباعًا لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذوا عنى مناسككم»، وإعلاء للعزيمة التى هى أصل الأحكام التكليفية العملية، ومراعاة لقواعد المصلحة، صدور أمركم الكريم لموانى المملكة العربية السعودية بأنواعها البرية والبحرية والجوية، عدم السماح لأى من الحجيج قبل اليومن الأولين من أيام التشريق «الحادى عشر، الثانى عشر من ذى الحجة» بالسفر.
أصحاب الإفتاء: تذكر قول الله - تعالى -: لولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع قليل ولهم عذاب أليم»، والبعد عن الترخيص فيما لم يأذن به الشرع، لأن العزيمة الشىء على أصله ومصرفة الشرعى - واجبة، وإنفاذ دليل «سد الذرائع» محافظة على ذاتية الأحكام الشرعية وحمايتها من عوادى الاستخفاف والاستهانة بها، وعدم تحريف الكلم عن مواضعه من الاستدلال بنصوص فى غير موضعها.
شركات السياحة: بالإضافة لما سبق ذكره، تذكرأنه فى المخالفات الشرعية «المتسبب كالمباشر» فلا تضيعوا الآجل بعاجل، ولا الآخر بالدنيا، وارقبوا «واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون»
عموم المسلمين: تذكر قول الله - تعالى-: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين»، «فاستبقوا الخيرات» «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب»، «ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه» والله سبحانه وتعالى - الهادى إلي سواء السبيل
■ أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف