جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حوار فى الغرب حول مصر


تلقيت يوم الخميس 13/11/2014، رسالة من الإعلامية البريطانية إينس باون- من الإعلاميين البارزين فى مؤسسة ال«BBC» البريطانية العالمية، وأقدمها وأوسعها انتشاراً. كتبت إينس باون كتاباً مهما يُعد من أهم الكتب التىكتبت فى الغرب عن الإخوان المسلمين، ولهذا الكتاب حديث آخر.
زارتنى الأستاذة باون ومعها الإعلامى «تيم ويهرول» والإعلامى المتعاون مع الـ «BBC»، «ساجد» وهو من أصول باكستانية، كانت الزيارة للاطمئنان على صحتى من ناحية، والحوار حول الأوضاع فى مصر وهو الأهم ، وأسباب استقالتى من الإخوان، وتعاونى مع النظام القائم بعد ثورة 30 يونيو، التى كان هناك ولا يزال من يرونها انقلاباً أو يرونها شيئاً آخر، ولا يرونها ثورة كما نقول ونعتقد نحن.الرسالة التى تلقيتها من – إينس باون – تعبر عن شكرها والوفد الإعلامى الذى رافقها، ويقول نص الرسالة:» د. هلباوى، أشكرك كثيراً لاهتمامك بنا ليلة أمس. وأرجو تقديم الشكر لزوجتك، ليس فقط بسبب الوليمة اللذيذة، ولكن لوجهة النظر الأخرى (البديلة). لقد كانت أمسية جميلة جداً، استثارت الفكر والعقل، مما جعلنى أدرك أن كثيراً من الأخبار التى تأتـينا من مصر غير صحيحة تماماً أو غير دقيقة. وآمل أن يسمح مدير السيد/ تيم له بالسفر إلى القاهرة للاطلاع على الأوضاع بنفسه. أرجو إن كان لديكم بعض الوقت أن ترسل لى الرابط الخاص بفيديو المناظرة التلفازية مع زوجتك. أريد أن أضعه على صفحتى فى «الفيس بوك»، حيث إننى أدرك أن كثيراً من الناس يودون رؤيته. آمل أن يتم شفاؤكم قريباً من العمليةالطبية، كما آمل لكم عودة سليمة إلى مصر. مع أجمل التحيات. إينس.»كنت بعد زيارة الوفد لى وبعد الحوار معهم، قد أرسلت إلى إينس والوفد الإعلامى المرافق لها بعض مرئياتى شخصياً عن الإخوان ونظرة قطاع عريض من الشعب إليهم بعد سنة من الحكم تحت راية الإخوان المسلمين وما سبقها وما تلاها، وهى المرئيات التى ذكرت جانباً منها مع الوفد الشعبى الذى زار جنيف فى الأسبوع الأول من هذا الشهر، لإلقاء الضوء على حقيقة وطبيعة أوضاع حقوق الإنسان فى مصر، دون انحياز إلا إلى الحقيقة.قد يتساءل بعضهم عن أهمية الحوار مع الغرب، ولكن الحوار مع الغرب وخصوصاً فى دوائر البرلمانيين والسياسيين والإعلاميين ورجال الفكر والبحث له علاقة قوية بقبول الآخر، ومفهوم التعددية فى إطار الديمقراطية الغربية. نحن علينا أن نتعلم جيداً كيف نحاور ولماذا نحاور، وأن ندرك جيداً آليات الحوار، وأن نهيئ بيئة مناسبة للحوار، وأن نتفهم وجهة النظر الأخرى ونرد عليها بالعقل والفكر والحكمة وطبيعة التفكير الغربى، وكيفية إقناع هذه الدوائر المهمة بوجهة نظرنا وحيثيات واقعنا. هذا لا يتأتى إلا بفهم آليات التفكير الغربى، وبناء وتكوين العقلية الغربية. بعض الذين يدافعون عن مصر فى المنابر الغربية ضد الاتهامات الغربية، واتهامات الإخوان وغيرهم يحتاجون إلى مزيد من التدريب. بعضهم يتحدثون وكأنهم فى ميدان التحرير فى مصر، وهذا مبعث لانفضاض الناس من حولهم أو ضعف تصديق ما يقولون. أنا أدرك تماماً أن بعض هذه الدوائر المهمة فى الغرب تتأثر بالسياسات والاستراتيجيات الثابتة فى الدول الغربية، وقد تربوا على ذلك، وبعضهم يقبل التناقض فى المواقف ومعاييرهم مزدوجة، ولكن لا يجوز لنا التعميم فهناك من الغربيين فى هذه الدوائر من يريدون معرفة الحقيقة ويسرهم أن يقفوا وراءها وأن يدافعوا عنها. الوفد الإعلامى الذى زارنى من هذا النوع الأخير الذى يسعى للحوار ويقبل الرأى الآخر بأدلته وبراهينه الواضحة.على المفكرين والسياسيين والإعلاميين ورجال الفكر والبحث فى مصر الذين يتصدون للدفاع عن مصر العظيمة ومصر الحضارة ألا يتجاهلوا بعض أخطاء النظام الذى يدافعون عنه أياً كان هذا النظام «اشتراكياً أو ليبرالياً أو إسلامياً»، ومهما كانت كثافة إنجازاته، فالعقل السليم يقبل الموضوعية والإنصاف ويدرك قول رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ (أن كل ابن آدم خطاء) والخطأ من طبيعة البشر، ولن يكون البشر يوماً ملائكة، وعلى النظام القوى الذى يقف وراءه شعبه أن يصحح أخطاءه لا أن يتصدى للدفاع عنها أو تبريرها، والعاقل من اتعظ بغيره. نحن نقف بكل قوة وراء مصر حتى لا يقع السيناريو الثالث أو الرابع اللذين حذرت منهما من قبل، وعلى المصريين جميعاً أن يدركوا التحديات التى تحيط بمصر من كل الإتجاهات، وألا يسمحوا للإرهاب أن ينتشر أو أن يتمكن، وألا ينخدعوا بالمنافقين، أو الذين يدعمون الشرق والغرب فى وقت واحد، والله الموفق.