جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

فلسطين فى الرحلة إلى نيويورك


أعتقد أن على مصر أن تضع كل جانب أمام مسئولياته، وأن تطالب الأمم المتحدة بأن تضمن تنفيذ ما اتفق عليه، وأن توقف معاناة الشعب الفلسطينى عموماً وفى غزة بصفة خاصة. وأعتقد أن على مصر أن تعلن أنها لن تستمر فى رعاية المفاوضات غير المباشرة ما لم يلتزم الطرفان، وما لم تضمن الأمم المتحدة تنفيذ ما يتفق عليه.

يحزم رئيس الجمهورية حقائبه فى طريقه إلى نيويورك للمشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفى تصورى أن بين حقائب الرئيس لا بد أن تكون هناك حقيبة خاصة بالقضية الفلسطينية، وهذا ناجم عن اقتناعى أولاً بأن القضية الفلسطينية ليست فلسطينية فقط، وإنما هى قضية أمن قومى مصرى وهى قضية أمن قومى عربى، وأنه لن يكون هناك أمن مصرى طالما ظلت هذه القضية دون حل عادل وشامل، وعن يقين بأن رئيس الجمهورية يدرك ذلك ويؤمن به بنفس الدرجة، وأنه مهموم بما يمكن أن يفعله فى هذا الصدد فى نيويورك.

يزيد من أهمية ما سبق أن مصر قد قامت مؤخراً بإجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين والعدو الصهيونى، وأن هذا قد حسب لصالحها، حيث فشلت أطراف أخرى فى أن يكون لها دور، وتجنبت قوى أخرى أن تتدخل حتى لا تصاب بالفشل، أو أن يحسب عليها بعض ما تصل إليه. وهكذا فإن مصر بقيادة رئيس الجمهورية أصبحت تتحمل مسئولية جديدة حيال القضية، أقل ما فيها أن تعلن عن مدى التزام الأطراف «أطراف الاتفاق» بما اتفق عليه، وأن تحاول أن تواصل الجهد الذى بذلته حتى يصل إلى نقطة مثمرة.

وفى رأيى أن اتفاق غزة شبه معطل، إن لم يكن معطلاً فعلاً، وتعالوا نراجع ما اتفق عليه: «توقف إسرائيل كل العمليات العسكرية بما فى ذلك الضربات الجوية والعمليات البرية».

وتوافق إسرائيل على فتح المزيد من معابرها الحدودية مع غزة للسماح بتدفق أيسر للبضائع بما فى ذلك المعونة الإنسانية ومعدات إعادة الإعمار إلى القطاع.

- ينتظر من إسرائيل أن تضيق المنطقة الأمنية العازلة داخل حدود قطاع غزة من 300 متر إلى 100 متر إذا صمدت الهدنة. وتسمح هذه الخطوة للفلسطينيين بالوصول إلى مزيد من الأراضى الزراعية قرب الحدود.

- توسع إسرائيل نطاق الصيد البحرى قبالة ساحل غزة إلى ستة أميال بدلا من ثلاثة أميال مع احتمال توسيعة تدريحياً إذا صمدت الهدنة. ويريد الفلسطينيون العودة فى نهاية الأمر إلى النطاق الدولى الكامل وهو 12 ميلاً.

لكنه يضع ترتيبات لما بعد ذلك كالآتى: وافق الطرفان على التعامل مع القضايا الأكثر تعقيداً والتى هى محور خلاف بينهما بما فى ذلك الإفراج عن سجناء فلسطينيين ومطالب غزة بميناء عبر محادثات أخرى غير مباشرة تبدأ فى غضون شهر.

أما بالنسبة لإسرائيل فقد اشتمل الاتفاق على: توافق حماس وجماعات النشطاء الأخرى فى غزة على وقف إطلاق كل الصواريخ والمورتر على إسرائيل.

يتوقع من السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس تسلم المسؤولية عن إدارة حدود غزة من حماس.

- تتولى السلطة الفلسطينية قيادة تنسيق جهود إعادة الإعمار فى غزة مع المانحين الدوليين بما فى ذلك الاتحاد الأوروبى.

من الواضح أن العمليات العسكرية الإسرائيلية توقفت ولم تتوقف أعمال القتال، لكنها لم تفتح المعابر لمزيد من تدفق البضائع، وأنها لم تضيق المنطقة الأمنية العازلة، ولم توسع منطقة الصيد، بل إنها تقتل من يقف على الشاطئ، وتبقى المفاوضات غير المباشرة محتملة فى المستقبل، لكن من جهة أخرى أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لم تتسلم المسؤولية عن إدارة حدود غزة من حماس، كما لم تتول السلطة الفلسطينية قيادة تنسيق جهود الإعمار فى غزة مع المانحين الدوليين بما فى ذلك الاتحاد الأوروبى.

أعتقد أن على مصر أن تضع كل جانب أمام مسئولياته، وأن تطالب الأمم المتحدة بأن تضمن تنفيذ ما اتفق عليه، وأن توقف معاناة الشعب الفلسطينى عموماً وفى غزة بصفة خاصة. وأعتقد أن على مصر أن تعلن أنها لن تستمر فى رعاية المفاوضات غير المباشرة ما لم يلتزم الطرفان، وما لم تضمن الأمم المتحدة تنفيذ ما يتفق عليه.

على أن الأمر لا يتوقف عند ما اتفق عليه بشأن غزة، فقد أفادت الأنباء عن محاولات كثير من الشباب الفلسطينى الهجرة غير الشرعية من غزة على سفن الصيد وغرق الكثير منهم أثناء المحاولة، وهو أمر لا بد أن يثير قلق وحزن كل من يعرف به، ويدعو إلى سرعة العمل على معالجته. كذلك فإن غزة ليست القضية الفلسطينية والصراع لن يتوقف طالما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، وعلى الأمم المتحدة وخاصة الدول الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن أن يجدوا لها حلاً، وإلا فإنهم يتحملون مسؤولية ما يحدث لمصالحهم فى المنطقة، وعلى الرئيس أن يؤكد ذلك.

■ خبير سياسى واستراتيجى