جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الهدم ــ الطرد ــ القتل».. لمن يعكر صفوهم


تذكرت وأنا أقرأ عن مذبحة القطط فى أحد نوادى الباشوات ما حدث فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع مبارك، حيث كانت الأعراف وقتها أن ما يعكر صفو الكبار نهدمة أو نطردة أو نقتله.
كان يا ما كان يا سعد يا إكرام ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام. كان فيه بلاد يسكنها شريحة عليا من الأثرياء أصحاب السلطة والجاه والمال والحسب والنسب. وفى نفس البلاد يعيش ملايين من العباد فى فقر مدقع يعانون من الاستغلال والاستبداد والبطالة وفقر الحال. يعيشون فى عشوائيات ومقالب الزبالة مع الحيوانات. وكلما اشتد الفقر بهم يتحايلون على المعيشة. وبدلاً من أن يشتروا دجاجة كل أسبوع أو شهر يقسمونها بالعدل على العائلة التى قد يزيد عددها على تسعة أو عشرة أفراد، وبالطبع تتمتع قططهم وكلابهم الكثيرة الهزيلة بأكل الأرجل والعظم.

ولما اشتد بهم الفقر بدأوا يشترون الهياكل العظمية وأرجل الدجاج يسلقونها ليطبخوا على حسائها، بل وليأكلونها. ضجت القطط بهذه المعيشة، وبدأت تبحث فى أماكن قريبة مازالت فيها الزبالة تحتوى على بقايا طعام يؤكل.

واشتد الفقر بالعباد فأصبح عدد منهم ينافس القطط والكلاب فى التفتيش فى الزبالة علهم يجدوا بقايا طعام صفوة القوم يسدون به جوعهم ويسكتون صياح عصافير بطن أولادهم.

اجتمعت القطط الهزيلة النحيلة، وقررت الرحيل علها تجد مكاناً تجد فيه بقايا من طعام. وبدأت تتواجد بأعداد ليست بالقليلة فى المطاعم الفاخرة الكبيرة، والبعض الآخر ساقها القدر إلى النوادى الكبيرة للشريحة الأرستقراطية الأصيلة. وشكرت القطط ربها وحمدته على هذه النعمة واستقرت بنوادى الكبار. وربما ذهب البعض منها ليحضر بقية أسرته وجيرانه من القطط شاكرين مهللين حامدين.

ولكن بالطبع لم يعجب هذا أولاد الحسب والنسب والجاه والمال، فهذه الحيوانات الضالة الحقيرة تعكر صفوهم، بل وتقلقهم لأنها من الممكن أن تنقل الأمراض لهم، لأنها تتمسح أحياناً فى أرجلهم شاكرة كرمهم. زاد القلق والأرق فكانت الخطة الدنيئة والجريمة البشعة الخسيسة، وهى تسميم القطط وضربهم بالشوم على رأسهم للتأكد من قتلهم.

ومن العجب العجاب أن الكثير من هؤلاء يربون حيوانات وطيوراً فى القصور التى يمتلكونها: طيور للزينة، وأحواض أسماك للزينة، وقطط من الأنواع الممتازة مثل السيامى والشيرازى، والكلاب بأصنافها المختلفة من مختلف البلدان، والتى تتربى فى عز أصحابها على الغالى، بل وتسلب من ميزان المدفوعات دولارات ثمينة لاستيراد أكل وشراب وشامبو وأدوات خاصة بهذه الحيوانات. سبحان الله!

تذكرت وأنا أقرأ عن مذبحة القطط فى أحد نوادى الباشوات ما حدث فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المخلوع مبارك، حيث كانت الأعراف وقتها أن ما يعكر صفو الكبار نهدمة أو نطردة أو نقتله. بدا هذا بعد استكمال بناء مكتبة الإسكندرية وافتتاحها. ذهبت الهانم، والهانم هى السيدة الأولى سوزان مبارك إلى المكتبة ومعها كبار رجال الدولة. وتفتق ذهنهم جميعاً عن هدم مستشفى الشاطبى الكائن خلف المكتبة، لأنه بالتأكيد مكان استراتيجى ذو قيمة عالية من الممكن استثماره فى عمل مقر للسيدة الأولى، وربما مشروعات استثمارية أخرى تدر الأموال.

لا يهمهم أن هذا المستشفى هو مقصد الآلاف من الفقراء المرضى من جميع أنحاء الإسكندرية. انتفض شرفاء هذا البلد من أساتذة الجامعة خصوصاً جماعة 9 مارس بقيادة الراحل العظيم أستاذ القانون صلاح صادق، وتقدموا بمذكرة للنائب العام لرفع قضية أمام القضاء الإدارى لوقف هدم المستشفى. وتضامنت معهم كل الحركات الشعبية ومنظمات المجتمع المدنى. وتكللت تلك الجهود بالنجاح عندما أوقف قضاؤنا الشامخ هدم المستشفى.

هذا عن الهدم فماذا عن الطرد؟ استيقظ أهالى مصر الكرام على كارثة محاولة طرد جزيرة القرصاية. فى هذه المرة كان رجال الأعمال أصدقاء أبناء كبار المسئولين ينظرون من نوافذ طائرتهم الخاصة فوجدوا جنة الله على الأرض فى جزيرة وسط النيل. فتفتق ذهنهم عن مشروع منتجع سياحى فى هذه المنطقة. لم يهمهم أن الجزيرة يقطنها خمسة آلاف من المصريين موجودون منذ أكثر من مائة عام، ولدوا على هذه الجزيرة، وأجدادهم وآباؤهم مدفونون على أرضها، عاشوا معاً يزرعون أرضها ويصيدون من أسماك النيل حولها ويظلهم آذان المسجد وأجراس الكنيسة المقامتين على أرض الجزيرة. ورغم أنهم معهم أوراق تثبت ملكيتهم لبيوتهم وأرضهم الزراعية، هجم عليهم القوات من الشرطة والجيش تنفيذاً لأمر الكبار وهددوهم بالطرد، حيث كانت الحجة المتكررة أن الجزيرة من أملاك الدولة التى اعتدى عليها السكان رغم أنهم معهم حكم نهائى صادر سنة 1987 من محكمة القضاء الإدارى بتقنين أوضاعهم ولم يتم تنفيذه لأكثر من عشرين عاماً.

انتفض أهالى الجزيرة، وانتفض معهم شرفاء هذا الوطن من سياسيين ومثقفين وفنانين وأدباء. وكان حكم المحكمة بعودة الأرض إلى أصحابها.

إن أساليب أصحاب السلطة والجاه والمال واحدة من أجل مصلحتهم. هل تطالبون من لم يترفقوا بالإنسان أن يترفقوا بالحيوان؟! أتساءل دائما هل يمكن لمن يظلم أو يعذب إنساناً أو حيواناً أن يغمض جفنيه وينام بهدوء وأمان؟!

كاتبه