جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

القاهرة


فى مطلع السبعينيات، كانت القاهرة مدينة جميلة . وكان يطيب لى أن أمشى، فى أيام الإجازات، سيراً على أقدامى، من كلية الشرطة فى العباسية إلى ميدان رمسيس، ومعى بعض زملائى من أبناء الصعيد، الذين تبعد بيوتهم عن القاهرة مسافة لا تسمح لهم بالسفر كل أسبوع.

وقتها كنا نستمتع بالشوارع والمبانى الجميلة طوال خط السير، وكانت تلك المنطقة تعد من المناطق الجميلة. وكنا نستمتع بوجه خاص بمحال تصنيع البامبو، والأثاث الجميل المصنوع من الخيزران، والذى كان يميز شارع رمسيس فى تلك الفترة .

وقتها كان السير فى القاهرة على الأقدام متعة لا تضاهيها متعة. وكنا أثناء سيرنا نرى بعض الجنسيات الأخرى من عرب وأفارقة وآسيويين، وبعض الأوروبيين يشاركوننا متعة السير على الأقدام، بل وكانت بعض الأسر المصرية تسير على أقدامها خصوصاً فى أيام الجمع. وفى المنطقة ما بين كوبرى الجلاء وكوبرى قصر النيل، كنا نرى على الرصيف العديد من الأوروبيين يسيرون معاً فى تلك المنطقة الجميلة بأشجارها الوارفة وزهورها التى تطل من الحديقة المجاورة. وكنا نمشى ونتأمل الجمال فى الفضاء الخالى من العمارات الشاهقة من أول كوبرى قصر النيل حتى متحف محمود مختار.

أما مقاهى القاهرة فكانت ممتعة، وجميلة، حيث لا تمل من الجلوس عليها، وانتظار من تريد انتظاره، أو تقضى بعض الوقت فيها.

الآن لم تعد مدينتنا ولا قاهرتنا.. تغير كل شىء.

وأصبح السير فيها مغامرة كبيرة، فإذا وقفت لتنتظر أن تعبر الشارع، ما بين توقف المرور فى الإشارات فلن تتمكن، فلا أحد يحترم الإشارة، ولا حتى يحترم حق المرور للمترجل، أو المشاة، وأصبح عبور أى شارع يحتاج لمغامرة كبيرة، يقوم بها شاب، وليس شيخاً ولا سيدة ولا طفلاً.

أما المشى، فهو ضرب من المستحيلات، فقد طغت المقاهى والمحال، على الرصيف وتملكته بالكامل، ووضعت فيه المناضد والكراسى ليجلس عليه المتنطعون، وهواة التطلع للنساء الرائحات والغاديات.

بل وتكدست الزبالة فى نهايات الشوارع، والأماكن غير المحمية بأسوار، ولا مانع من أن ترى زجاج سيارة فخمة يفتح، ويلقى من داخلها كيس زبالة، أو علبة مشروبات معدنية فارغة .

أما إذا أكرمك الحظ ودخلت نادياً من نوادى القاهرة، أو مطعماً مفتوحاً على النيل أو أى مكان آخر، فقل عن سوء الخدمة ما تريد أن تقوله، أما الأهم فهو الافتقار للنظافة. ربما كانت ظاهرة الذباب الذى بدأ ينتشر وبكميات كثيرة فى القاهرة من الظواهر المؤسفة، والتى لا تليق بها، كل الأماكن سواء كانت مقاهى أو مطاعم أو حتى الشوارع. والغريب أنك تجد الفوضى تضرب بأطنانها فى كل مكان والمشاحنات والخناقات، والكتابة العشوائية على الحوائط، ومحاولات إزالتها بطريقة بدائية أفسدت الأمر. أما شارع محمد محمود والذى قالت إحدى المجموعات الشبابية الثورية إنها تحاول تجميله، فقد حولوه إلى مجمع للقبح من حيث الألوان ورداءتها، والرسومات التى تفتقر إلى الجمال وحتى الذوق العام.

كاتب