جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

من يقصر الرحمة الإلهية؟


رحمة الله تعالى غير مقصورة على وقت معين، ولكن الدعاء يستجاب أكثر فى بعض الأماكن والأزمنة، والقرآن يشهد بذلك، كما فى قوله تعالى عن مريم (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
عند قراءة هذا المقال، نكون فى الأيام العشر الأخيرة من رمضان وفيها يلتمس الناس ليلة القدر، وبالذات فى الليالى المفردة. قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ عن ليلة القدر «التمسوها فى العشر الأواخر، فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقى» رواه مسلم. وهى تسمى بذلك، كما يقول المفسرون والعلماء والفقهاء، لأنها ليلة تتنزل فيها المقادير من السماء إلى الأرض، وفيها تقدير من الله لعباده الصالحين الذين يحبهم ويحبونه،والذين يرضى عنهم الخالق ويرضون عنه سبحانه.

إنها ليلة واحدة ولكنها خير من ألف شهر. والاستغفار فيها عظيم ومستجاب، ويأذن الله تعالى فيها للملائكة أن تتنزل ومعهم الروح جبريل ــ عليه السلام ــ وهى سلام حتى مطلع الفجر. ومهمة الملائكة فى تلك الليلة أن تشهد العباد والمستغفرين بالأسحار. والدعاء والقضاء كما يقول الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ يعتلجان حتى يصعد أحدهما إلى السماء (لا يزال القضاء والدعاء يعتلجان ما بين الأرض والسماء). ومعنى (يعتلجان) أى يتصارعان، فأيهما غلب أصاب. الإنسان العابد يقول فى تلك الليلة: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى». وبعض الدنيويين يقفون عند مسائل دنيوية لا يتخطونها إلى غيرها، فمنهم من همه فى تلك الليلة إلى دنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها، كما جاء فى حديث» إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى».

عندما يستغفر الإنسان فى تلك الليلة فكأنه يستغفر الله تعالى منذ يوم ولادته حتى أن يصبح عمره 83 سنة وثلث سنة. أليست هذه نعمة ورحمة من الله تعالى للمقصرين خصوصا، والذين نسوا ذكر الله تعالى بعض الوقت أو حتى طول الوقت لسبب أو لآخر؟

يتساءل الدعاة والعباد، يقولون إن الساعة فى ليلة القدر تساوى 8 سنوات والدقيقة تساوى 50 يوماً فأين المشمرون؟ أى أين الذين يشمرون ويجتهدون فى العبادة والدعاء مخ العبادة.

طبعا رحمة الله تعالى غير مقصورة على وقت معين، ولكن الدعاء يستجاب أكثر فى بعض الأماكن والأزمنة، والقرآن يشهد بذلك، كما فى قوله تعالى عن مريم (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

إذا فهم الإنسان ذلك، لايتعجب وهو يقرأ فى السنة حديث القاتل الذى قتل 99 نفسا، ثم أكمل المائة بالراهب الذى سد أمامه باب التوبة، وكأن الراهب أو الفقيه هو صاحب التوبة.

يقول الحديث « عنْ أبى سعِيدٍ سَعْد بْنِ مالك بْنِ سِنانٍ الْخُدْرِيِّ رضى الله عنه أَن نَبِيَّ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَال: «كان فِيمنْ كَانَ قَبْلكُمْ رَجُلٌ قتل تِسْعةً وتِسْعين نفْساً، فسأَل عن أَعلَم أَهْلِ الأَرْضِ فدُلَّ على راهِبٍ، فَأَتَاهُ فقال: إِنَّهُ قَتَل تِسعةً وتسعِينَ نَفْساً، فَهلْ لَهُ مِنْ توْبَةٍ؟ فقال: لا فقتلَهُ فكمَّلَ بِهِ مِائةً، ثمَّ سألَ عن أعلم أهلِ الأرضِ، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ فقال: إنهَ قَتل مائةَ نفسٍ فهلْ لَهُ مِنْ تَوْبةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ ومنْ يحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التوْبة؟ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كذا وكذا، فإِنَّ بها أُنَاساً يعْبُدُونَ الله تعالى فاعْبُدِ الله مَعْهُمْ، ولا تَرْجعْ إِلى أَرْضِكَ فإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فانطَلَق حتَّى إِذا نَصَف الطَّريقُ أَتَاهُ الْموْتُ فاختَصمتْ فيهِ مَلائكَةُ الرَّحْمَةِ وملائكةُ الْعَذابِ. فقالتْ ملائكةُ الرَّحْمَةَ: جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّهِ تعالى، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ: إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ، فأَتَاهُمْ مَلكٌ فى صُورَةِ آدمى فجعلوهُ بيْنهُمْ أَى حكماً فقال قيسوا ما بَيْن الأَرْضَين فإِلَى أَيَّتهما كَان أَدْنى فهْو لَهُ، فقاسُوا فوَجَدُوه أَدْنى إِلَى الأَرْضِ التى أَرَادَ فَقبَضْتهُ مَلائكَةُ الرَّحمةِ» متفقٌ عليه. فمن يعتبر أيها القراء؟.. والله الموفق.