سيناء فى عشر سنوات باختصار
كثيرون منا لا يراقبون التطوير الشامل الذي يحدث في سيناء (شبه جزيرة مثلثة مساحتها 60.000 كم، تقع غرب آسيا في الجزء الشمالي الشرقي من مصر، عدد سكان محافظتها الشمالية 114 ألفًا و702 مواطن، وعدد سكان محافظتها الجنوبية 450 ألفًا و531 مواطنًا).. هكذا طبق الساعة السكانية بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 7 مارس من هذا العام نفسه (مصادر كثيرة)، أقصد التطوير الذي نشأ في السنوات العشر الأخيرة بالذات، أي منذ عام 2013 إلى اللحظة الراهنة، لا يراقبه هؤلاء الكثيرون من كثب فلا يعرفونه معرفة حقيقية، ومن ثم لا يقدرونه التقدير المضبوط؛ ربما لأنها قرت في الأرواح طويلًا كصحراء شاسعة فوق ما قرت كمدن معيشة وحياة، وهو بالضبط ما جعل القيادة تلتفت إليها التفاتة قوية بالعمران والتحديث ونقلها من طور إلى طور نقيض، وربما كان المقصودون لا يراقبون تطويرها لأن الإعلام مقصر في حقها وحق أرضها الطيبة الساحرة وحق إنسانها البدوي المكافح ذي العادات والتقاليد الخاصة الراسخة والنظام القبلي المتفرد المحكم والفنون المتميزة المدهشة والبطولات العديدة المجيدة.
سيناء، بما لها من ثقل ديني وحضاري وتاريخي وجغرافي وطبوغرافي، هي مطمع أعداء الوطن على الدوام، وهي حدوده الشرقية التي أمنها العام جزء أساسي من أمنه القومي، وقد جرت على أرضها معاركنا التي لا تنسى، كان آخرها معركة الظفر في أكتوبر 1973.
تجدد ذكر سيناء، وكم يتجدد بين الفينة والأخرى، مع الأحداث الأخيرة الجسيمة في غزة؛ فمصر فطنت مبكرًا لما يمكن أن يكون أعد لها من نصيب صادم في خطة الحرب الفظيعة الجارية، وحذرت من ضغط الغزيين ودفعهم إلى النزوح إلى سيناء (تقع غزة شمال شرق شبه جزيرة سيناء) قائلة إن معنى هذا التهجير تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ونقل الحرب إلى مصر بشكل أو بآخر، وهي ترفض الأمرين رفضًا قاطعًا بالطبع.
جرى تطوير سيناء على مستويين متوازيين، الأول: تطهيرها من العناصر الإرهابية المجرمة التي ملأتها، وتمكنت من بعض أجزائها إلى حد ما، العناصر التي شددها حكم الإخوان المسلمين لمصر، الحكم الذي لم يكن يوافقنا بالمرة، لكنه جاء، وإن كان كما جاء ذهب سريعًا فتنفسنا الصعداء واستعدنا أنفسنا (أعني هويتنا القومية التي خفنا عليها من الضياع).. التطهير المقصود كامل وشامل؛ ومن ثم فهو مكلف، تكلفته مادية ومعنوية، لكن الدولة لم تدخر جهدًا في إنفاذ كل الأعمال القادرة على تحقيقه، وعلى رأسها العسكرية طبعًا، وما زالت تواصل الجهود مدركة ثقل ما قد يتطلبه الموضوع من الأثمان الباهظة، لكنها ما زالت تشجع الأهالي على مقاومة عصابات الهجمات القتالية المباغتة الخسيسة، وتشد عضدهم بدعمها السخي الشفاف، وتكرم شهداءها من ضباط القوات المسلحة وأفرادها البواسل.
المستوى الثاني هو مستوى البناء والتنمية في كل المجالات: الاقتصاد والتجارة والاستثمار والصناعة والزراعة والصحة والتعليم والسياحة (دهب، سانت كاترين، حمامات فرعون، رأس شيطان، نويبع، طابا، جبل موسى المعروف بجبل الطور) والإسكان والكهرباء والطاقة والتموين والطرق والكباري والشواطئ والموانئ الجوية والممرات الملاحية وتحلية المياه والأنفاق (مشروع ربط سيناء بالوادي والدلتا) وشبكات الاتصالات والتكنولوجيا والأمن الداخلي والحدودي، بجانب تيسير الإجراءات الخدمية على المواطنين، وتوفير كل ما يحتاج إليه مكان ذو خطورة بالغة في الحقيقة، مكان آسر منظور يجب أن يكون غنيًا وقويًا وعزيزًا، مع العناية الكبيرة المماثلة بتراث المنطقة (مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة الذي يبدأ من شمال سيناء، ومشروع التجلي الأعظم بمدينة سانت كاترين في الجنوب) والاهتمام الكبير الأساسي بالعنصر البشري على وجه العموم.. أقصد الاهتمام الاجتماعي والثقافي بالذات؛ فلسيناء تركيبتها الاجتماعية المميزة للغاية والحساسة للغاية أيضًا، لأسباب كثيرة يسهل اكتناهها واستنتاجها جميعًا، والمهم أن الجرعة الثقافية المقدمة لها يجب أن تكون مكثفة وألمعية، محصلتها معارف جديدة شتى ووعي نبيه فارق مع حفاظ على الفلكلور الحميم والأصول البيئية الموروثة اللذين يفاخر بهما الأهالي هناك أبناء البيئات المصرية الأخرى، مفاخرة التجاذب لا التنافر والتنافس البسيط الخلاق لا التسابق المعقد الشحيح..
الدولة صنعت ما يرقى إلى المعجزة هناك، ويمكن الرجوع إلى الأرقام التي تؤكد الأمر (أرشح موقع الهيئة العامة للاستعلامات وموقع بوابة الأهرام) فقد لا يكون الكلام المرسل كافيًا، مع صدقه وأمانته، ومن المعلومات المتوفرة في الموقع الأول "بلغت الزيادة في الاستثمارات العامة الموجهة لتنفيذ مشروعات في سيناء أكثر من 15 ضعفًا، مسجلة 73.3 مليار جنيه عام 2022/ 2023 في مقابل 8.4 مليار جنيه عام 2013/ 2014".. هذا عن الاستثمارات العامة وحدها، وفي الموقع الثاني: "على الصعيد التنموي فإن شبه الجزيرة تكاد تنطق من فرط ما يجري على أرضها من تغيرات جذرية، مدفوعة بإنفاق ضخم تجاوز 600 مليار جنيه".. وهي معلومة إجمالية أكيدة، تطمئن الباحثين الوطنيين الجادين، ولعلها تبدد شكوك المعارضين الذين لا يحسنون إلا الشك والمعارضة!
مصر بخير ما دامت أرض الفيروز كذلك، قالها مصري صميم عظيم الانتماء وآمنت أنا بما قاله، وأزيد فأقول إن الفيروز ليس المعدن النادر الثمين فحسب ولا الحجر الكريم فحسب، مما تشتهر به سيناء الحبيبة، ولكنه وئام المصريين الحصين السرمدي، وبخاصة أمام المحن والتحديات، وحرصهم على كل ذرة رمل من رمال أراضيهم، واضطلاعهم بالمهمات القومية الجليلة التي تعزز الثقة بالنفس، وتنعش الآمال في المستقبل المضيء، وترفع أسهم أمتنا في الأمم.