بعيون المؤرخين والأعمال الفنية القديمة.. كيف كانت كليوباترا؟
كتب شكسبير وجورج برنارد شو عنها، سُمي كويكب باسمها، عدد لا يحصى من أغاني البوب والأوبرا والإعلانات التجارية تشيد بها، تم استحضار اسمها كاختصار للجاذبية والغرابة والقوة، فمنذ سنوات طويلة وكليوباترا آخر ملوك مصر الفرعونية هي رمز الجمال والقوة.
وبحسب صحيفة "The Peterborough Examiner" الكندية، فإنه بالنسبة لامرأة من العصور القديمة حاصرت الخيال من جيل إلى جيل لمدة 2000 عام، من اللافت للنظر أن الموضوع الساخن اليوم في عام 2023 هو السؤال: كيف كانت تبدو كليوباترا، التي حكمت من 51 إلى 30 قبل الميلاد؟
شكل كليوباترا الحقيقي
وتابعت الصحيفة، أن رؤية المؤرخين والكتاب ورسومات المعابد والتماثيل كافية للتعرف على ملامح واحدة من أشهر وأعظم ملوك مصر القديمة، ولكن مسلسل نتفليكس قد أثار غضب ومعركة لم تكن موجودة من قبل، حيث أثار علماء المصريات والمفكرون الأفارقة والمخرجون وعلماء الآثار وعلماء النبلاء بأن الملكة المصرية كانت من أصول يونانية وذات ملامح أوروبية وبشرة فاتحة اللون.
وكتب عالم آثار مصري بارز على فيس بوك: "كليوباترا ليست سوداء".
وأشارت الصحيفة، إلى أنه لم يكن الدافع وراء الرد هو العنصرية، كما يصر زاهي حواس، مستشهدًا بتماثيل وجدها مصنوعة من المرمر، وصور على عملات معدنية لكليوباترا مع أنف مائي وذقن بارز كدليل، وكتب في عدد من الصحف الدولية: "هناك نقص مماثل في الأدلة على أن كليوباترا كانت سوداء يمكن العثور عليها في تصوير على واجهة المعبد في دندرة".
وتابعت أنه أثار تصوير امرأة سوداء على أنها ملكة غضب بعض المصريين لدرجة أن المحامي قدم شكوى إلى المدعي العام المصري من أجل حظر المسلسل في ذلك البلد، ووصف التصوير بأنه شكل من أشكال سرقة الهوية، قائلًا إن نتفليكس كانت تروج للتفكير الإفريقي "الذي يتضمن شعارات وكتابات تهدف إلى تشويه الهوية المصرية ومحوها".
وأضافت أن هذه الضجة تأتي في أعقاب رد فعل عنصري ضد طبعة ديزني الجديدة "حورية البحر الصغيرة"، التي تلعب دورها امرأة سوداء، ولكن في حين أن حورية البحر هي خيال خالص، ما يجعل الادعاءات بـ"الأصالة" العرقية بلا معنى، فإن قضية هوية كليوباترا تتداخل مع التاريخ والسياسة والسعي إلى الانتماء، وهو ما يجعلها قضية حساسة تتطلب التعاطف وإثبات هوية الحضارة الفرعونية وليس الرفض.
كليوباترا الحقيقية
وبحسب الصحيفة، فإن الجدل حول لون بشرة كليوباترا أمر غير واقعي، فالأمر يتعلق بالتاريخ، وآراء المؤرخين والكتابات القديمة والتي تثبت جميعها بأن الملكة المصرية الراحلة كانت ذات ملامح يونانية ولون بشرة فاتحة، وبعيدة كل البعد عن الملامح الإفريقية.
وتابعت أن رد الفعل العنيف ضد مسلسل كليوباترا ليس عنصريًا، ولكنه يكشف عن الخوف الحقيقي من محو الهوية المصرية المعاصرة في مواجهة القوة الثقافية الأمريكية الجبارة.
وأضافت أن المؤرخين والأدباء والعلماء القدماء كشفوا عن الهوية الحقيقية وشكل كليوباترا منذ مئات السنين، أي قبل مسلسل نتفليكس الذي لا يستند لآراء علماء أو خبراء حقيقية، حيث يتفق المؤرخون على أن كليوباترا كانت يونانية مقدونية من جهة والدها، لا يُعرف الكثير عن والدتها، لكن يُعتقد على نطاق واسع أنها من أصول مختلطة ومن المحتمل أن تكون مصرية، وليست إفريقية، ما يعني أنها إن لم تكن ذات ملامح يونانية فإنها تشبه الفراعنة الآخرين بملامح مصرية أصيلة وليست إفريقية.
ويقول عالم المصريات روبرت بيانكي في المجلة، إن صورتها على العملة تبدو "بالحروف اللاتينية بشكل مفرط لتتناسب مع صورة زوجها مارك أنتوني على الجانب الآخر من العملة، يقول إن الأعمال المعاصرة تتداخل أيضًا مع الاهتمامات السياسية أو الأيديولوجية".
اختلاف في الروايات
وأكدت الصحيفة، أن هوية المصريين القدماء كانت محل جدل لفترة طويلة، حيث يؤكد الغالبية العظمى من المؤرخين أن الفراعنة كانوا كما يبدو المصريون اليوم، ليسوا أفارقة أو أوروبيين، بينما يزعم أصحاب توجه الأفروسنتريك أن الفراعنة كانوا أفارقة نزحوا فيما بعد، بينما الأوروسنتريك، يؤكدون أن المصريين ذوو أصول أوروبية.
وتابعت أن المركزية الإفريقية أو الأفروسنتريك ظهرت للرد على الأوروسنتريك، ليس أكثر، في محاولة لاستعادة التاريخ المفقود من خلال التأكيد على الإنجازات الإفريقية، ومع الدافع السياسي والاجتماعي لاستعادة احترام الذات، ولكن هذا الأمر أثار غضب المؤرخين وعلماء المصريات والمصريين أنفسهم، الذين أكدوا أن الفراعنة ذوو هوية مصرية أصيلة، حيث كانت مصر ولا تزال ذات تنوع جغرافي كبير، ولكن هذا لا يمحو الهوية المصرية الأصلية.