جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

علماء الزلازل: لا يسمعنا أحد إلا حينما تتثاءب الأرض

 زلزال سوريا
زلزال سوريا

هزة قوية.. البيت الآمن تحول إلى كومة من التراب.. الطرق اختفت.. أسر كاملة أصبحت تحت الأنقاض.. أصبح الظلام دائم والنور بعيد.. لا صورة سوى شتات الأهل وجثث متناثرة هنا وهناك.. تلك المشاهد أصبحنا نتابعها يوميًا في نشرات الأخبار التي بات شغلها الشاغل الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وتم تصنيفه على أنه الأقوى في هذه المنطقة.. في السطور التالية لن نحدثك عن ضحايا الزلزال وتبعاته بل سنذهب بك إلى عالم دارسي علم الزلازل، وطبيعة دراستهم، وهل يمكنهم بالفعل التنبؤ بحدوث الزلازل أم لا، وكيف يمكنهم الرد على الشائعات المنتشرة، وإجابات أخرى.

بداية يمكننا تعريف الزلزال على أنه اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض بسبب تحرك طبقة الصخور تحت سطح الأرض، أو بسبب نشاط بركاني أو صهاري. تحدث الزلازل فجأة من دون سابق إنذار، ويمكن أن تحدث في أي وقت، ننتقل بعدها إلى حديثنا مع علماء الزلازل.

مطر: الزلازل مقترنة بحركة الكواكب 

مضى في طريقه متخصصًا في محركات الطائرات في شركة مصر للطيران حتى وصوله إلى الأربعينيات، ووقتها وقع زلزال 1992م في القاهرة، مخلفًا دمارًا كبيرًا أودى بحياة ما يقرب من 500 شخص إضافة لهدم عشرات المباني، وهنا كانت شرارة الشغف في نفس عالمنا محمد محمد سالم مطر قد اشتعلت، متجهًا لربط حدوث الزلازل باقترانات الكواكب، متعمقًا في هذا المجال، وبعد أعوام من وفاته واندثار أبحاثه، أعيد فتح أوراقه وخزائنه التي أفصحت عن تنبؤات كثيرة وضعها بين يدي ابنته "هناء"، التي قررت لم شمل أوراق والدها وإعادة نشرها، لتثبت أن مصر لها السبق في الربط بين أبحاث الفلك وعلم الزلزال.

"الدستور" تحدثت مع "هناء"، لتروي لنا عن مذكرات والدها، ومن خلالها ستكون أولى جولاتنا التي نخوض فيها رحلة إلى عالم دارسي الزلازل، فتقول إن والدها من خلال تلسكوبه نجح في متابعة نشاط الزلازل على مستوى العالم، وقام بالربط بين تلك الزلازل واقترانات الكواكب، وظل في هذا العالم لمدة 31 عامًا من عمره وحتى مماته، فكان ينتظر فقط أن يوجد اهتمام بما توصل إليه.

رحلة الـ31 عامًا دَوّنها "مطر" في عدد من المقالات، والتي منها مقال له حول اقتران كوكب الزهرة بكوكب الأرض وتسبب ذلك في حدوث زلازل، أيضًا اقتران كوكب المريخ وعلاقته بزلزال روسيا الذي حدث عام 1995م، وآخر كتبه في مجلة العلم المصري التابعة لوزارة البحث العلمي بعنوان إنذار بألفية مفزعة، والتي بدأت من زلزال الهند عام 2001م، وله مقال أيضًا يضم جدول كواكب المجموعة الشمسية وعلاقتها بالزلازل بناء على عمليات حسابية معينة، وأكدت ابنته في حديثها معنا أنه ذكر إمكانية التنبؤ بحدوث الزلازل لكن قبله بعدد من الأشهر لا بأيام كما ادعى العالم الهولندي.

مقال عن كوكب الزهرة وعلاقته بالزلازل

"هناء" لا تريد أن ينقطع جهد وعلم والدها فجمعت مقالاته وأبحاثه وكتاباته في كتاب "من أين جاء القمر؟"، بعد أن حاول والدها في حياته التواصل مع وزارة البحث العلمي عام 1995م، وأيضًا تواصل مع الكاتب الصحفي صلاح منتصر عام 1993م، لكن بلا أمل، وفي الوقت الحالي تحاول أيضًا أن تصل لكل مسئول في الدولة يستطيع أن يتبنى ظهور علم والدها للنور لتنفيذ وصيته "انشروا علمي"، مشيرة إلى أن هناك عدد من الجامعات البريطانية حاولت التواصل معها للحصول على مذكرات والدها لكنها رفضت، ساعية للوصول لمؤسسات مصرية.

 

جمال: نريد استكمال ما انتهى إليه غيرنا

ومن الفلك والكواكب إلى الخلط بين الدراسة الأكاديمية والانخراط في المجال العملي، فكان حديثنا مع الدكتور محمد جمال، أستاذ مساعد بكلية العلوم قسم الجيوفيزياء (تخصص زلازل) جامعة القاهرة، فتخصص الزلازل كان اختياره الذي لا يزال فخورًا بالانضمام إليه، بداية الأمر كانت من زلزال 1992م، الذي بناء عليه قرر اختيار هذا التخصص، معتبرًا أن دراسته وتدريبه في هذا المجال اعتمد على حظه السعيد، فكان إنشاء محطة زلازل في جامعة القاهرة أمرًا حديثًا والتي تقيس كل أنواع الزلازل، إلى جانب وجود أستاذ كان له الفضل في نقل علمه إليه، هو الدكتور"عبدالمنعم" الذي حصل على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يبخل بعلمه، أيضًا تم استقدام عدد من المدربين الأمريكيين لزيادة خبراتنا.

كلية العلوم جامعة القاهرة

"أكتر حاجة مفيدة للإنسان إنه يطبق أي حاجة درسها"، ذلك المبدأ الذي اعتمد عليه "جمال" خلال حياته العلمية في تخصص الزلازل، فيتحدث أنه لم يكتفِ بوضع علمه في الأبحاث والدراسة الأكاديمية فقط، إنما أًتيحت له فرصة الاشتراك في مشروعات تمكن من خلالها دعم خبراته الأكاديمية وخلطها بالمجال العملي، وكان منها مشروعات المدن الجديدة مثل دهب ونويبع والفيوم الجديدة وغيرها، أيضًا مشروع القطار السريع، كما كان له مكتب استشارات في وقت ما، واصفًا تربة مصر بأنها بيئة خصبة للتعلم، فحسب سنوات دراسته، هي تجمع كل أنواع التربة في العالم التي على أساسها يتم الحكم على آلية بناء مبانٍ أو مشروعات، فهناك التربة الرملية وجبال البحر الأحمر ومنطقة البحر المتوسط وما يلحق كل نوع منها من تغيرات.

وعن الأخبار المنتشرة عن الزلازل، قال: ألاحظ جهل علمي على مواقع التواصل الاجتماعي، فأمريكا لا يمكنها التحكم في الزلازل، بالتالي لا يمكن للبشر صناعة الزلزال الذي يعادل مليون قنبلة نووية، مشيرًا إلى أن العالم مشغول عن العلم، رغم أن هناك علماء وصلوا لدرجات عالية من العلم إلا أنها تبقى اجتهادات شخصية لا مؤسسية.

الدكتور محمد جمال

عبدالواحد: لابد من تطوير الإمكانيات العملية

انتقلنا بعده إلى الدكتور أحمد عبدالواحد، مدرس مساعد بكلية العلوم قسم الجيوفيزياء (تخصص الزلازل) بجامعة القاهرة، الذي لا يزال ينهل من الدراسة الأكاديمية، فكان اختيار تخصص الزلازل من اختياره، فهو يرى أنه أفضل تخصص يمكن الالتحاق به لعدم اقتصاره على منطقة بعينها، فهو مرتبط بالنظام العالمي وتغير الطبقات الأرضية التي يمكن من خلالها دراسة الزلازل.

"لأننا دراسة نظرية فهناك مشكلات"، تلك الكلمات هي وجهة النظر التي وضعها "عبدالواحد" أمام كل مسؤول يمكنه الإعلاء من شأن العلماء، فمثلًا ليس هناك شبكة رصد زلازل حديثة يمكنهم الاعتماد عليها، والموجودة حاليًا في جامعة القاهرة قديمة لا تواكب تطورات العصر الحالي، وفقط الموجودة في المعهد القومي للبحوث هي المؤهلة للمجال العملي، لكن الوصول إليها ليس سهلًا.

وبالنسبة للحصول على المعلومات للاستفادة منها في الأبحاث العلمية، قال: أغلبها موجودة في المعهد القومي للبحوث إلا أن التواصل معهم للحصول على بعض المعلومات منهم يشوبه صعوبات، وقد يصل الأمر إلى ضرورة الحصول على موافقات أمنية للحصول على ما نريد، أيضًا الاستعانة بنا كباحثين في مشروعات سواء مؤسسية أو فردية ليس أمرًا دارجًا، بالتالي فإن مجهوداتنا بحثية وأكاديمية بشكل أكبر، متمنيًا أن يكون هناك خلط بين النظري والعملي للاستفادة من الخبرات البحثية التي نقدمها على الورق.

الدكتور أحمد عبدالواحد

سعودي: أتمنى الاهتمام بالخريجين

ونذهب إلى أول السلسلة في دراسة علم الزلازل، حيث تحدثنا مع إسلام سعودي، طالب في الفرقة الثالثة بكلية العلوم قسم الجيوفيزياء جامعة القاهرة، قال إن اختيار القسم كان نابعًا منه، وخلال دراسته لديهم جزء خاص بالزلازل، عن أنواع الزلازل وكيفية قياسها والأدوات المستخدمة في معرفة شدتها والأماكن التي تقع فيها الزلازل وشدتها، أما الجانب العملي من خلاله يصبح قادرًا على تحديد المكان أو المسافة التي يقع فيها الزلزال من خلال قراءات على أجهزة مثل السيزموجرام أو أجهزة أخرى، التي تمكنه من تحديد فترة حدوث الزلزال والعمق حتى الوصول لموقع الزلزال (من سطح الأرض حتى بؤرة أو مركز الزلزال).

أما عن التدريب العملي، يرى أن الكلية لا تقدم لهم تلك الإمكانيات، وخلال الثلاث سنوات التي قضاها فيها لازال أول تدريب لهم سيتم في إحدى شركات البترول، والتي وجهت دعوة إلى أقسام الكلية التي لها علاقة بها، لكن دون ذلك فالنشاط العملي قليل، لذلك فإن الخريجين فرص العمل لديهم قليلة، والمجال الوحيد المفتوح أمامهم هو المجال الأكاديمي من خلال استكمال دراسات عليا وتقديم الأبحاث العلمية فقط، متمنيًا أن يكون مجال العمل أكبر مما هو عليه الآن.

إسلام سعودي

من خلال خرائط "جوجل" قمنا باستعراض أقوى الزلازل التي مرت خلال 10 سنوات على مستوى العالم

https://www.google.com/maps/d/u/1/edit?mid=1xNPKteLL616jsVfHrSw04D1jOdjSr3s&usp=sharing