أمينة رزق «راهبة السينما» التى أنقذت «100 جنيه» مسيرتها الفنية
أمينة رزق، عذراء السينما المصرية وراهبتها، خصت مجلة "الكواكب" المصرية، في عددها الـ80 والصادر بتاريخ 10 فبراير 1953 بكواليس وأسرار من حياتها، بدأتها ببطاقة تعريفية عن تاريخ ميلادها: قدمتني شهادة الميلاد إلى الحياة بكلمات قصيرة مقتضبة هي: "أمينة رزق ابنة محمد رزق من مواليد 15 أبريل عام 1915 بمدينة طنطا".
كان والدي عربيًا جعفريًا أسود اللون، وكان من الذين يعملون بنجاح في التجارة كما كان من المحافظين المتمادين في التمسك بالتقاليد إلى درجة أنه عندما تزوج أمي، لم يسمح لها بالخروج من البيت لزيارة أهلها، إلا بعد أن أنجبتني.
الله حقق أمنية أمي وأخرجني بيضاء من غير سوء
ولم يكن هناك ما يشغل بال أمي بعد زواجها من أبي إلا أمر واحد، هو أن تكون خلفتها بيضاء اللون، كانت تخشى أن ترزق "بربرية" أو "بربري"، ولكن الله حقق لها أملها وأخرجني بيضاء من غير سوء.
وعن دراستها تقول: "دخلت مدرسة المدير، بطنطا في السادسة من عمري وكان خالي يتردد علينا، وكان يحبني حبًا جمًا. وسمعت وأنا في هذه السن، أن أفلام (الحلقات) قد قدمت المدينة فرجوت خالي أن يصحبني لمشاهدة أحدها".
وعند عودتي وجدت أبي وراء الباب وفي يده "كرباج" وما أن تخطيته حتب انهال به على جسدي الصغير يلهبه بضرباته وهو يهدد قائلًا: "أنا معنديش بنات يروحوا سينمات"، وتدخل خالي في الأمر وتشاجر الرجلان وكاد الأمر ينتهي بطلاق أمي.
رئيس عصابة وراء هروب أمينة رزق من طنطا
ومات أبي قبل أن أبلغ الثامنة من عمري، وانتقلت أمي من البيت الذي نملكه إلي بيت جدتي، وكان في المدينة شخص مرهوب الجانب يسمى "الشيخ محمود علام" لأنه كان رئيسًا لعصابة من الأشرار مهمتها القتل والنهب والسرقة، وكانت مهمة "الرئيس" البحث بطرقه الخاصة عن "الأرامل" اللاتي يملكن أموالًا لقتلهن ونهب أموالهن.
وجاءت زوجة هذا الرئيس إلى "العزاء" لتتحري حالتنا وما تركه والدي لنا، وعلمت أن أبي كان قد أقرض أناسًا في بلدة قريبة نقودًا، دون أن يأخذ إيصالًا بالمبلغ. وجاء الشيخ "محمود علام" ليقول لأمي إنه على استعداد للسفر معنا ليحصل لنا على مالنا.
ويشاء الحظ أن يتشاجر رئيس العصابة مع زوجته قبيل السفر، وأن تكون إحدى صديقات جدتي، حاضرة وقت المشاجرة، فتسارع إلى إبلاغنا في الوقت المناسب، وكان أن هربنا من طنطا إلى مصر، وفي مصر فتحت صفحة جديدة من حياتي.
اللقاء الأول مع المسرح في روض الفرج
وتتابع أمينة رزق: استأجرنا شقة في حي روض الفرج وفتحت عيني على جو جديد. وكانت خالتي "أمينة محمد" تكبرني بأعوام قليلة لكنها كانت مثلي تتوق إلى مشاهدة هذه المباهج التي لم ترها عيني في طنطا المظلمة.
وكانت جريئة لا تهاب أحدًا، فكانت تأخذني إلى مسارح روض الفرج فنقف ونشاهد من بعيد لبعيد كل شيء، وحفظنا كل الأدوار وكل الأغاني وكل المونولوجات، وعشقت هذا المسرح واشتريت كتاب "بربري حول الأرض" وبدأت أمثل مع أمينة الأدوار التي نشاهدها على مسارح روض الفرج.
وذات يوم أحسسنا أن الهرج والمرج يسود المسرح في روض الفرج، وقيل لنا إن إحدى الممثلات قد تغيبت فتقدمنا من صاحب المسرح وقلنا له بجرأة: "إحنا حافظين الدور ونقدر نمثله" وصعدنا إلى خشبة المسرح لأول مرة، وأحسست برجفة مجنونة تستبد بجسدي الدقيق النحيل ولكن تمالكت نفسي وألقيت "الكوبليه" واستقبلنا الجمهور بالتصفيق، نفس التصفيق الذي أصم أذني يوم خرجت مع طالبات "مدرسة ضياء الشرق" لنستقبل سعد زغلول عند عودته من المنفى من "سيشل" ولكي أخطب أمامه مرحبة".
أمينة رزق تقابل يوسف وهبي لأول مرة
وجاء عام 1923 وكنت في الترام في طريقي إلى المدرسة عندما قابلني "أحمد عسكر"، وكان يقطن إلى جوارنا، وأبلغني أن يوسف وهبي قد افتتح مسرحًا رائعًا، وأن المسرح في حاجة إلى وجوه جديدة، وعرض عليّ أن يقدمني إلى يوسف وهبي، وكان هذا حلمي الأول.
وقدمني أنا وخالتي أمينة ليوسف، وقال يوسف بعد أن تأملنا برهة خلناها دهرًا: حاجة عظيمة خالص ده أنا لازمني بنات صغيرات علشان روايتي "الذهب". وظهرنا في فصل منها في دورين من أدوار الكومبارس صدر بعدها أمر من السلطات المنزلية بتحديد إقامتنا في حجرة النوم.
100 جنيه وراء موافقة الأسرة على التمثيل
وجاء عام 1924 وجاء معه أحمد عسكر إلى المنزل وقابل الأسرة محاولًا إقناعها بالسماح لنا بالتمثيل دون جدوى.
وجلست إلى خالتي أمينة وقلت لها وما العمل يا أمينة؟ فأجابت: الهروب، ليس أمامنا سواه. ولكنني رفضت الفكرة وقلت لها: لنذهب إلى يوسف ونجس النبض أولًا، فقالت لي: ولكن كيف نخرج وهذا الحصار المضروب حولنا؟.
واتفقنا على أمر وكانت الخطة أن نقول إننا سنزور إحدى الطالبات من زميلاتنا، فإذا ما أوصلتنا الدوائر المنزلية العليا إلى هناك تسللنا إلى مسرح رمسيس. وقابلنا يوسف وهبي، وكتب لنا عميد المسرح عقدين تضمنا شرطًا جزائيًا هو غرامة قدرها 100 جنيه يدفعها أهلنا إذا ما أخللنا بالعقد.
وضُرِبنا "علقة" ولكنهم خشوا مغبة الغرامة فقبلوا، وبقي شيء واحد يقلق أهلنا هو ماذا يقول الجيران عنا وكان المخرج الوحيد هو أن يذيعوا أنني وأمينة سنأخذ دروسًا في البيانو في روض الفرج. وكان يوسف وهبي بعيد النظر، فأعطانا دورًا واحدًا لتحفظه كل منا على أن تمثله كل يوم واحدة، منا على التوالي. وكانت رواية "راسبوتين" والدور دور ولد أعرج وقال لي يوسف وهبي: "يا ابنتي ستكونين أحسن ممثلة دراما في مصر".
أمينة رزق بطلة لفرقة رمسيس
وارتفعت الأربعة جنيهات مرتبي الكبير بعد شهور لتصبح 5 جنيهات، ثم إلى 6 لتصبح سبعة في نهاية العام وكانت روز اليوسف مثلي الأعلى، كانت بطلة الفرقة وكنت أحلم، مجرد حلم أن أغدو مثلها في عالم المسرح.
ومرت الأيام تحمل بين طياتها الأمل والألم وكنت أجد في كل مأساة أقرؤها أو أمثلها أن هناك سببًا واحدًا وراءها: الرجل، الرجل الذي ينقض على فريسته الضعيفة بعد أن يسلط عليها "مغناطيس" الحب. فكان أن كرهت الحب وأنا بعد لا أعرف ما هو الحب، كرهته للكوارث التي يسببها.
وأخذ الحظ بيدي فتقدمت إلى الصف الثاني بعد خروج روز اليوسف من الفرقة وحلول فاطمة رشدي محلها، ثم خدمني الحظ فخرجت فاطمة أيضًا وخلفتها زينب صدقي، فتقدمت خطوة ثانية. وخرجت زينب صدقي كذلك فوليت أنا إلى المقدمة وأصبحت بطلة رمسيس عام 1930 وكانت هذه نهاية المطاف لأحلامي، وبلغت القمة في رواية "الذبائح" ثم حل يوسف وهبي الفرقة، وامتنعت أنا عن التمثيل تضامنًا مع يوسف.
ورأيت أن لا مفر من العمل للعيش فقبلت الالتحاق بالفرقة القومية كما اتجهت إلى السينما أغزو ميدانها. وإنني لأضحك الآن مما يقال عني من أنني "عدوة" الرجال، ولكن هل معنى هذا أنه يجب عليّ أن أتزوج؟ إن هذا لن يكون، ولن يحول بيني وبين احترامهم.