فساد البرلمان الأوروبى
لـ«تحالف الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية» ١٤٥ مقعدًا فى البرلمان الأوروبى، وهو ثانى أكبر الكتل البرلمانية، بعد «اتحاد الأحزاب الشعبية الأوروبية» صاحب الـ١٧٥ مقعدًا، من بين ٧٠٥ هى عدد مقاعد ذلك البرلمان، الذى يشكل، مع مجلس الاتحاد الأوروبى، الجهاز التشريعى للتكتل.
إلى هذا التحالف تنتمى اليونانية إيفا كايلى، نائبة رئيس البرلمان الأوروبى، التى ألقت السلطات البلجيكية القبض عليها، مساء الخميس الماضى، ٩ ديسمبر، الذى يوافق اليوم العالمى لمكافحة الفساد، لاتهامها فى وقائع فساد عديدة، من بينها تلقى رشاوى وغسل أموال وتشكيل منظمة إجرامية، قدمت مبالغ مالية كبيرة وهدايا قيّمة لمسئولين وسياسيين أوروبيين، وأعضاء آخرين فى البرلمان. وذكرت جريدة «ليكو» البلجيكية، فى تقرير نشرته السبت، أن فريق التفتيش عثر على «أكياس مليئة بالأوراق النقدية» داخل منزلها فى بروكسل، إضافة إلى كمية أخرى كبيرة من الأموال كانت فى حقيبة بحوزة والدتها.
المدعى العام الاتحادى البلجيكى قال، فى بيان، إن السلطات قامت بـ١٦ عملية تفتيش، على الأقل، فى العاصمة البلجيكية، حيث يقع مقرّ البرلمان الأوروبى، أسفرت عن مصادرة ٦٠٠ ألف يورو نقدًا، والتحفظ على معدّات إلكترونية وتليفونات محمولة، سيتمّ تحليل محتوياتها، فى إطار تحقيقات أوسع، يقودها القاضى ميشال كليز، بشأن تصرفات يشتبه فى أنها تؤثر على القرارات الاقتصادية والسياسية للبرلمان الأوروبى.
من بين المتهمين، أيضًا، لوكا فيزينتينى، الأمين العام الجديد للاتحاد الدولى لنقابات العمال، وفرانشيسكو جيورجى، المساعد البرلمانى الملحق بكتلة الاشتراكيين والديمقراطيين، وبيير أنتونيو بانزيرى، ٦٧ سنة، الذى كان نائبًا فى البرلمان الأوروبى بين ٢٠٠٤ و٢٠١٩، عن التكتل نفسه، ويرأس حاليًا منظمة حقوقية اسمها «فايت إمبيونيتى»، أو مكافحة الإفلات من العقاب، يقع مقرها فى بروكسل.
ما قد يثير بعض الدهشة، وكثيرًا من السخرية، هو أن «كايلى»، التى وصفتها مجلة «دير شبيجل» الألمانية بـ«السياسية الحكيمة والشجاعة وأفضل ممثلى مواطنى الاتحاد الأوروبى»، جرى استعمالها، فى ١٧ مايو ٢٠٢٠، مثلًا، لتتهم مصر والإمارات والسعودية، عبر شاشة «الجزيرة»، بانتهاك قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، كما زعمت أن الاتحاد الأوروبى يشعر بالقلق من أوضاع المعتقلين فى السعودية. وفى ٣١ أكتوبر الماضى، استقبلها «حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثانى، أمير البلاد المفدى، فى مكتبه بالديوان الأميرى، والوفد المرافق لها، وذلك للسلام على سموه بمناسبة زيارتهم للبلاد»، بحسب وكالة الأنباء القطرية!.
تخرجت «كايلى»، ٤٤ سنة، فى كلية الهندسة بجامعة أرسطو، وعملت مذيعة أخبار فى محطة MEGA التليفزيونية، ثم حصلت على درجة الماجستير فى الشئون الدولية من جامعة بيرايوس، وانضمت إلى حزب الحركة الاشتراكية اليونانية، «باسوك كينال»، أحد أحزاب التحالف الاشتراكى والديمقراطى، وفى ٢٠١٤ جرى انتخابها عضوًا فى البرلمان الأوروبى، وترأست لجنة العلاقات مع حلف الناتو، حتى ٢٠١٩، التى أعيد فيها انتخابها لخمس سنوات جديدة، وفى بداية العام الجارى اختيرت نائبة لرئيس البرلمان.
التحقيقات مستمرة، مع المذكورة، منذ صباح السبت، وبحلول مساء الأحد من المفترض أن يكون قاضى التحقيق قد قرر ما إذا كان سيتم إطلاق سراحها أو حبسها احتياطيًا، بينما أعلن الحزب الاشتراكى اليونانى «باسوك كينال»، صباح الجمعة، عن فصلها أو طردها من الحزب، وقررت روبرتا ميتسولا، رئيسة البرلمان الأوروبى، مساء السبت، سحب التفويض منها، وتعليق كل السلطات والمهمات الموكلة إليها، بصفتها نائبة لرئيس البرلمان، «بشكل فورى»، والشىء نفسه فعله تحالف الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية.
.. أخيرًا، ومع اتساع دائرة المتهمين فى القضية، تزايدت دعوات المنظمات غير الحكومية إلى مناقشة عاجلة لمسألة تحسين القواعد الأخلاقية فى البرلمان الأوروبى، وأرجعت «منظمة الشفافية الدولية» ما حدث إلى الغياب الكامل للرقابة، ونمو ثقافة الإفلات من العقاب، وقال الحزب الشيوعى اليونانى، فى بيان، إن فساد نائبة رئيس البرلمان الأوروبى وسياسيين أوروبيين آخرين، يُظهر كيف تمكنت جماعات الضغط المتصارعة من تحويل هذا البرلمان، والاتحاد الأوروبى نفسه، إلى بؤر للفساد، بات من الصعب تطهيرها.ـ