حصاد القمة العربية الصينية
تأكيدًا على دعمنا الكامل لآليات التعاون العربى الصينى، دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى أن تكون مصر هى دولة الاستضافة العربية التالية للقمة العربية الصينية، مشيرًا إلى أن الحضارة الفرعونية وحضارة بلاد ما بين النهرين، وباقى حضارات منطقتنا، ترافقت مع الحضارة الصينية القديمة، لترشد الإنسانية فى مهدها، وأننا خضنا، معًا، فى التاريخ الحديث، معارك متعددة من أجل التحرر والاستقلال السياسى والتنمية وبناء الاقتصاد، وما زلنا نعمل على إقرار نظام عالمى أكثر عدلًا، يتأسس على القيم الإنسانية وقواعد القانون الدولى.
فى كلمته، كلمة مصر، أمام القمة، أوضح الرئيس أن آفاق التعاون العربى الصينى، وفرص تطويره، لا تقتصر فقط على الشق الاقتصادى والتنموى، بل تمتد إلى الآفاق السياسية والثقافية، لافتًا إلى أن العالم العربى استقبل بتقدير واحترام بالغين السياسات الصينية المتوازنة تجاه مختلف القضايا العربية بشكل عام، وتجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص، ودعم الجانب الصينى للحق الفلسطينى المشروع فى إقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية. كما أشار الرئيس إلى أن الدول العربية بادلت تلك المواقف الصينية المتزنة والداعمة، بمواقف مساندة للصين ومتفهمة لقضاياها وشواغلها.
كنا قد انتهينا، فى مقال أمس الأول، «الصين والعرب.. وإفريقيا»، إلى أن مصر، صاحبة الدور الأكبر فى إنجاح التعاون الصينى الإفريقى، سيكون لها دور مهم، أو الدور الأهم، فى ترجمة أعمال «القمة العربية الصينية الأولى» إلى نتائج عملية. وعليه، لم يدهشنا ذلك التطابق شبه الكامل بين رؤية مصر، التى طرحها الرئيس، وما تضمنه البيان الختامى للقمة، الذى شدّد على ضرورة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الدول العربية والصين القائمة على التعاون الشامل والتنمية.. والتأكيد على احترام سيادة الدول ورفض التدخل فى شئونها الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية.. والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية وإيجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين.. ودعم جهود إيجاد حل سياسى للأزمة الأوكرانية يضمن المصالح الجوهرية لكل الأطراف.. و... و... وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه.
التعاون العربى الصينى، كما قال الرئيس، تأسس على تعظيم المنفعة والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات التنموية، وتعزيز التعاون «جنوب جنوب» وتقديم أولويات حفظ الأمن والسلم الدوليين، وإيجاد حلول سياسية سلمية للأزمات الدولية والإقليمية، واحترام خصوصية الشعوب وحقها فى الاختيار دون وصاية أو تدخلات خارجية، ورفض تسييس قضايا حقوق الانسان، وتعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات، والتعاون فى مواجهة تحديات التغير المناخى وتفشى الأوبئة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة، وإنهاء معاناة الشعوب وإحلال السلام وتقديم أولويات التنمية على الصراع والتنازع.
الرئيس الصينى، أيضًا، شدّد على أهمية التمسك بالاستقلالية وصيانة المصالح المشتركة، وأكد حرص بلاده على العمل مع الجانب العربى، خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، فى تنفيذ الأعمال التى تغطى المجالات الثمانية: «التنمية، والأمن الغذائى، والصحة، والتنمية الخضراء والابتكار، وأمن الطاقة، والحوار بين الحضارات، وتأهيل الشباب، والأمن والاستقرار». وفى كلمة لاحقة، خلال ختام أعمال القمة، أكد الرئيس شى جين بينج، أن القمة عملت على تعزيز البناء وتلتزم بإيجاد حلول سياسية للقضايا الساخنة والشائكة، والعمل على الحفاظ على السلم والأمن فى المنطقة، وتدعو إلى التوصل وتعزيز التعايش بين الحضارات المختلفة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس السيسى أعاد التأكيد، فى كلمته، أو كلمة مصر، على ما تحمله قضية الأمن المائى العربى من قيود على التنمية، وما تفرضه من مخاطر ترقى إلى حد التهديدات الوجودية، داعيًا إلى وضع هذه المسألة على رأس أولويات التعاون المستقبلى فى منتدى «التعاون العربى الصينى»، لبحث كيفية مواجهة هذا التحدى، بمختلف الأدوات التكنولوجية والاقتصادية، والسياسية. وجدّد الدعوة لـ«الأشقاء» فى إثيوبيا إلى الانخراط بحسن النية الواجب مع مصر والسودان، للتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم، يُؤَمّن للأجيال الحالية والمستقبلية حقها فى التنمية، ويجنبها ما يهدد استقرارها وأمنها وسلامتها.