على جمعة: التجلى الإلهى يجعل الإنسان مستحضرا لله في كل شيء
قال الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن التجلي الإلهي هو أن الله -سبحانه وتعالىٰ- وراء كـل شيء: { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] ، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]، وَفِي كُلّ شيء لَهُ آيَة * تَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّهُ الْوَاحِدُ، فالتجلي الإلهي يجعل الإنسان مستحضرا لله في كل شيء، في كل سكنة، في كل حـركة، وعندما تقرأ كتــاب (الحِكَم) للإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تجدها كلها مبنية علىٰ هذا، علىٰ أنه لا حول ولا قوة بي، ولا لي، وإنما الحول والقوة لله، وبالله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الأمر كله بيد الله.
وتابع : جمعة عبر صفحته الرسمية، قائلا: إن الإعتماد علىٰ الأسباب شرك، وترك الأسباب جهل، ولما أراد النبي ﷺ أن يخرج إلىٰ أُحُد (خالف بين درعيه)( أبو داود) أخذاً بالأسباب، فأخذ ﷺ بالأسباب ليعلمنا المنهج الأمثل في التعـامل مع كون الله تعالىٰ، حتىٰ علمنا أن حقيقة التوكل الأخذ بالأسباب، فقال لنا ﷺ: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا»(الترمذي، قال العلماء: فهي تغدو وتروح أخذاً بالأسباب، لم تمكث في وكناتها، بل أخذت بالسبب، فراحت ورجعت، فرزقها المولىٰ -سبحانه-، فقوله: (تَغْدُو وتَرُوح) يشير إلىٰ وجود حركة، فهي إذن لا تترك الأسباب، وكأن الحق سبحانه يربي الأكوان كلها علىٰ التأدب بأدب الله في الأخذ بأسبابه، التي أوجدها وخلقها في كونه، ويعلمنا أيضا: أن المؤمن رغم أخذه بالأسباب، إلا أنه لا يعتمد عليها، فالفلاح يلقي الحب، ثم يدعو ويقول: (يا رب)، هذا هو المسلم الذي أقام حضارة، يؤمن فيها بالتجلي الإلهي.
وأضاف: التجلي الإلهي مبني أيضا علىٰ أن الحق سبحانه له أسماء، وأسماء الله الحسنىٰ مائة وثلاثة وخمسين اسما في القرآن الكريم، ومائة وأربعة وستون اسماً في السُنّة المطهرة، فمع حذف المكرر منها تكون أسماؤه -سبحانه- مائتين وعشرين اسما، وهي تمثل: (منظومة القيم) التي عاشها المؤمنون، بعضها للجمال، وبعضها للجلال، وبعضها للكمال، فالجمال مثل: (الرحمن، الرحيم، العفو، الغفور، الرؤوف)، والجلال مثل: (المنتقم، الجبار، العظيم، شديد المحال، جل جلال الله)، والكمال: (الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الضار، النافع، المعز، المذل، السميع، البصير).
وتابع : هناك أيضا ما يسمونه بـ (الأسماء المزدوجة): فـ (الأول الآخر) معا كلاهما اسم ، و(الضار النافع) اسم، و(الظاهر الباطن) اسم؛ لأنه بهما الكمال المطلق لله رب العالمين، فهذه المنظومة التي توصلك إلىٰ: "التخلي ، والتحلي ، والتجلي"، الأول: أن تخلي قلبك من القبيح، ثم تحليه بالصحيح، ثم يحدث التجلي، فيتجلىٰ الله بأنواره وأسراره علىٰ قلبك، فتخرج من دائرة الحيرة إلىٰ دائرة الرضا، { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28