جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الديمقراطية فى القرن الحادى والعشرين


تأتى أهمية أى كتاب من رصانته العلمية، ولكن هناك أهمية أخرى وهى مدى قدرة ‏الكتاب على الاشتباك فكريًا مع قضايا راهنة، من هنا تأتى أهمية كتاب «ديمقراطية القرن الحادى ‏والعشرين» للدكتور وحيد عبدالمجيد، إذ يجمع الكتاب بين الرصانة العلمية والمعالجة الذكية لأزمة ‏الديمقراطية التمثيلية بشكلها التقليدى، وهو ما نشاهده فى الفترات الأخيرة، وفى أعرق ‏الديمقراطيات الغربية.‏

وربما أكبر مشاهد أزمة الديمقراطية التمثيلية بشكلها التقليدى، هو بروز ظاهرة «ترامب» ‏على مسرح السياسة الأمريكية، ورفضه نتائج الانتخابات، ودعوته أنصاره إلى اقتحام الكونجرس ‏فى مشهد غريب على الديمقراطية بشكل عام، والديمقراطية التمثيلية «التمثيل النيابى» الأمريكية ‏على وجه الخصوص، وربما يرجع ذلك إلى صعود الشعبوية فى شتى أنحاء العالم، وخطر ذلك ‏على الديمقراطية، لذلك خصص المؤلف الفصل الرابع من كتابه لمعالجة ما أطلق عليه ‏‏«شعبويات القرن الحادى والعشرين والمسألة الديمقراطية».‏

ومن البداية يدرك «وحيد عبدالمجيد» أن الديمقراطية تعيش فى أزمة، لكنه يرفض بعض ‏الكتابات المتشائمة فى هذا الشأن مثل كتاب جاسون بريتان «ضد الديمقراطية»، والذى يرفض ‏الديمقراطية التمثيلية بشكلها الحالى، ويطرح حلًا لأزمة الديمقراطية من خلال ما يسميه «حكم ‏أصحاب المعرفة.. حيث يسمح فقط لمن يُلمون بالأوضاع السياسية بالاقتراع لانتخاب القادة»، ‏وبالقطع ‏‎ ‎هو هنا يُجَرِد الديمقراطية من أبسط معانيها، حكم الشعب، ويدعو إلى ديمقراطية ‏نخبوية.‏

كما يرفض «وحيد عبدالمجيد» كتاب كريستون بوخين دى كوزال «نهاية الديمقراطية»، كما ‏يناقش كتاب الباحثة الفرنسية آن ساكون «الإمبراطوريات الجديدة هل هى نهاية الديمقراطية؟»، ‏حيث تركز على تنامى نفوذ الشركات والمصارف الكبرى ورجال الأعمال على نحو أدى إلى ‏تقليص مساحة النقاش الديمقراطى، وتضاؤل السياسات والقرارات التى تخضع لهذا النقاش.‏

ويوضح «عبدالمجيد» بذكاء شديد أن أزمة الديمقراطية المعاصرة «تكمن فى التمثيل ‏السياسى وليس فى الفكرة الديمقراطية نفسها»، ويؤكد «عبدالمجيد» كلامه أننا يمكن أن ندرك ذلك ‏فى طبيعة الاحتجاجات الشعبية التى نشهدها مؤخرًا فى العديد من الدول التى بلغت أعلى مستوى ‏فى ممارسة الديمقراطية، وفق نظام الديمقراطية التمثيلية، مثلما شاهدناه فى فرنسا وإنجلترا ‏وأمريكا، إنها «احتجاجات ضد من لم يعد تمثيلهم للشعب مقنعًا لقطاعات متزايدة فيه».‏

ويوضح «عبدالمجيد» بعض عيوب الديمقراطية التمثيلية التى لا تعرف فرقًا بين أغلبية ‏قليلة وأخرى كثيرة، أو بين ٥١٪ و٩٩٪ مثلًا؛ إذ إن الانتخابات أحيانًا قد لا تعبر عن الإرادة ‏الشعبية، أو أن رأى ٤٩٪ يذهب هباءً لصالح من حصل على ٥١٪ تحت مبدأ الأغلبية.‏

هنا يرى «عبدالمجيد» أننا فى الحقيقة نعيش «أزمة تطور ترتبط بعملية تاريخية ستفضى ‏إلى تطعيم الديمقراطية التمثيلية وقد بلغت أعلى مراحل تطورها فى الدول التى باتت راسخة فيها، ‏بأشكال من الديمقراطية المباشرة». ولذلك يخصص الفصل الأخير من الكتاب إلى «نحو مزيج من ‏الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية المباشرة» سواء من خلال تكبير أدوار المجتمع المدنى وتعميق ‏مشاركته فى إدارة الشأن العام وصنع القرار، والاستفتاء العام المتكرر على القرارات التنفيذية ‏والقوانين والتشريعات الأساسية التى تمس قطاعات واسعة من المواطنين.

والهدف عدم بقاء ‏المواطنين الناخبين أقرب إلى متفرجين فى الفترة بين دورتين انتخابيتين، وبالتالى السلطة ليست ‏حكرًا على البرلمان فقط ولكن الشعب هو الأساس، من هنا تأتى أهمية المزج بين الديمقراطية ‏التمثيلية والديمقراطية المباشرة من أجل احتواء أزمات الديمقراطية المعاصرة.‏