جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الدستور» تحقق من داخل مكاتب النصب باسم الجامعات الأهلية

مكاتب النصب باسم
مكاتب النصب باسم الجامعات الأهلية


جاء إعلان وزارة التعليم العالى والبحث العلمى عن انطلاق الدراسة فى الجامعات الدولية الأهلية الجديدة، بدءًا من العام الدراسى الجديد ٢٠٢٠-٢٠٢١، ليفتح بابًا من الأمل فى تقديم تعليم جامعى على مستوى عالٍ من الكفاءة فى كل عناصر العملية التعليمية التى تعانى كثيرًا من الأزمات.
وأعلنت «التعليم العالى» عن فتح باب التقدم لـ٣ جامعات دولية أهلية، هى: «الملك سلمان الدولية» بفروعها فى الطور ورأس سدر وشرم الشيخ، و«الجلالة»، و«العلمين الدولية»، وذلك بدءًا من السبت الماضى حتى بعد غدٍ الأحد.
وعلى الرغم من إعلان الوزارة أن التقديم سيكون من خلال الموقع الإلكترونى «http:admission.egypt-hub.edu.eg»، الذى يتضمن كل التفاصيل، مع عدم قبول الطالب إلا بعد اجتياز «اختبار قدرات»، فإنه ظهر «سماسرة» ينصبون على الطلاب، عن طريق الزعم بقدرتهم على الحصول على موافقة أىٍّ من الجامعات الأهلية على التحاق الطالب بها، وتقديم «استثناءات» لهم، باعتبارهم «وكلاء» لتلك الجامعات.
«الدستور» تكشف فى السطور التالية كيف يمارس هؤلاء عملية النصب على الطلاب، وتجرى ٣ اتفاقات مع «سماسرة» موثقة بالصور والتسجيلات، مقابل الحصول على مكان فى الجامعات الأهلية الجديدة.
مكتب فى المعادى: 3 آلاف مقابل استمارة التقديم.. والرغبة الإضافية بـ500

البداية كانت بإعلان «مكتب خدمات طلابية» يحمل اسم «أدميشن لاند» عن توفير فرص للتقديم فى جميع الكليات المتاحة بالجامعات الأهلية، مع «ضمان اجتياز اختبارات القدرات والقبول» فى كل جامعة منها، وذلك لطلاب الشعبتين العلمية والأدبية بالثانوية العامة، مقابل دفع مبلغ مالى معين للمكتب.
تواصلت «الدستور» مع مسئولى المكتب هاتفيًا، فأبلغونا بالتفاصيل المبدئية للخدمة التى يقدمونها، ثم طلبوا منا القدوم إلى مقر المكتب فى منطقة المعادى، لضمان جدية الحجز، والتقديم فى الجامعات الأهلية من خلالهم، مشيرين إلى أن المقابل المادى يبلغ ٣ آلاف جنيه.
وصلنا إلى مقر المكتب الواقع تحديدًا فى منطقة ثكنات المعادى، حيث يستقبلك مدخل العقار الموجود فيه المكتب بالعديد من اللافتات والإعلانات، مع وجود ازدحام كبير بالطلاب والطالبات وأولياء الأمور، الذين جاءوا للاستعلام عن التفاصيل ومبلغ العمولة المطلوبة، فيما وصل بعضهم إلى مرحلة الحضور للتقديم بمختلف كليات الجامعات الأهلية بالفعل.
وما أن تدخل المكتب تجد فرد أمن يدعوك للانتظار وتناول أى مشروبات مجانية حتى يأتى دورك، وأمامك يظهر «مكتب استعلامات»، وبه شخص يتلقى طلبات التقديم من الطلاب وأولياء الأمور، وآخر يرد على الاستفسارات.
وبالوقوف أمام «مكتب الاستعلامات» حين جاء دورنا، أخبرنا مسئول تلقى الطلبات بأن المكتب «يوفر خدمة التقديم فى أى من كليات الجامعات الأهلية التى تم الإعلان عنها مؤخرًا، ويضمن اجتياز اختبارات القدرات الخاصة بالكلية التى يتقدم إليها الطالب، ومن ثم تأكيد قبوله بها». ويطلب المكتب «عمولة» تبلغ ٣ آلاف جنيه من كل طالب، مقابل الحصول على «استمارة التقديم»، التى يملأها الطالب برغبة واحدة فقط فى جامعة أهلية محددة، وفقًا للشعبة الدراسية والمجموع الذى حصل عليه فى الثانوية. وحال رغب الطالب فى كتابة كلية أخرى، تضاف «عمولة» جديدة قيمتها ٥٠٠ جنيه على كل رغبة إضافية.
وما أن حصلت محررة «الدستور» على استمارة المكتب، قالت لمسئوليه إنها ستملأ بياناتها بالتفصيل، ثم تقدمها لهم فى اليوم التالى مع «العمولة»، فأكدوا أنهم سيتواصلون معها خلال يومين أو ٣ على الأكثر، لـ«تحديد مواعيد اختبارات القدرات».
«سماسرة» أكتوبر: العمولة 50 ألفًا وأرخص من الخاصة.. ونضمن اجتياز «القدرات»

تواصلنا مع «سمسار» آخر يعمل فى «مكتب خدمات طلابية» بمدينة السادس من أكتوبر، يشتهر بأنه حلقة وصل بين طلاب الثانوية والجامعات الخاصة، خاصة ممن حصلوا على مجموع ضئيل، وذلك مقابل مبالغ مادية تصل ما بين ٢٠ و٣٠ ألف جنيه، وفقًا لمجموع كل طالب.
طلبنا من سمسار المكتب الذى يقع فى الحى الأول بأكتوبر مساعدتنا للتقديم فى إحدى الكليات الأدبية بالجامعات الأهلية الجديدة، فقال إنهم يحصلون على مبالغ مالية تصل لـ١٥ ألف جنيه، مقابل مساعدة الطلاب فى التقديم لتلك الجامعات، وضمان اجتياز اختبارات القدرات الخاصة بها.
وأوضح أن «الطالب يأتى مقر المكتب فى الحى الأول بمدينة ٦ أكتوبر، ليملأ استمارة التقديم لأى جامعة يرغب فى دخول إحدى كلياتها، ثم يدفع المبلغ المتفق عليه أو جزءًا منه، والذى يتراوح بين ١٠ و١٥ ألف جنيه»، مضيفًا: «عمولة الجامعات الأهلية أقل من الجامعات الخاصة، لأن غالبية الطلاب المتقدمين لها حصلوا على مجاميع مرتفعة ولا يحتاجون مجهودًا كبيرًا من المكتب».
وانتهى الاتفاق بين محررة «الدستور» و«السمسار» على الذهاب إلى المكتب لملء استمارة التقديم، ودفع المبلغ المطلوب، مقابل ضمان التقديم فى الجامعات الأهلية، والنجاح فى اختبارات القدرات والقبول فى الجامعة.
وفى السادس من أكتوبر أيضًا، كان هناك محمد عبدالبسيط، الذى كتب على إحدى المجموعات الطلابية على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»: «لدىّ وكلاء موثوق بهم داخل الجامعات الأهلية، ومن يرغب فى التقديم بها يراسلنى للاتفاق على التفاصيل».
وبالفعل، تواصلت محررة «الدستور» مع «عبدالبسيط»، من خلال رقم «واتس آب» ألحقه بالمنشور السابق، بحجة أنها طالبة ترغب فى التقديم فى أىٍّ من الجامعات الأهلية، فقال: «يمكن التقديم من خلال الموقع الرسمى للجامعات، لكنه فى غالبية الأوقات بطىء ولا يعمل، لذلك أعمل وأصدقاء على التواصل مع وكلاء لتسهيل عملية التقديم».
أخبرته المحررة بأنها حاصلة على مجموع ٦٠٪ بالثانوية العامة، وترغب فى التقديم إلى كلية الإعلام بجامعة «الجلالة» أو «الملك سلمان». وعلى الرغم من أنه لا توجد إلا كلية «الإنتاج الإعلامى» فى «الجلالة»، جاء رد السمسار: «المجموع ضعيف ومن الممكن أن يكن عائقًا للقبول، لكن أستطيع تدبر الأمر مقابل عمولة تبلغ ٥٠ ألف جنيه»، مضيفًا: «المهم أنك تتقبلى فى الجامعة.. ما تقلقيش من المجموع. ومش هنختلف فى العمولة.. اللى هتدفعيه تمام!».
طلاب وأولياء أمور: نتواصل معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى.. ويزعمون امتلاكهم «علاقات قوية» فى الجامعة


بينما كان خالد جمال، مهندس، يحاول معرفة أى تفاصيل عن كيفية التقديم فى الجامعات الأهلية الجديدة، لشقيقه الأصغر الحاصل على مجموع ٩٥٪ فى شعبة «علمى علوم»، انهالت عليه الرسائل من أشخاص لا يعرفهم، يعرضون عليه المساعدة فى التقديم لشقيقه فى أىّ من كليات تلك الجامعات، مقابل مبلغ مادى.
وقال «خالد» إن أحد «السماسرة» الذين تواصلوا معه حذره من إمكانية استبعاد أوراق شقيقه فى الجامعات الأهلية، بسبب عدم حصوله على الحد الأدنى المطلوب للقبول فى الكليات العلمية بتلك الجامعات، مضيفًا: «لكن يمكننى أن أضمن لشقيقك القبول، ومساعدته فى اجتياز اختبارات القدرات، بشرط دفع عمولة تقدر بـ١٣٠ ألف جنيه».
وحسب شقيق الطالب، فإن «السمسار» طلب منه ١٣٠ ألف جنيه، مقابل التقديم فى كلية طب الأسنان، ثم عرض تخفيض المبلغ إلى ١٠٠ ألف جنيه فقط، قائلًا: «شقيقك مجموعه عالى، وده هيسهل مهمتى فى توفير فرصة له بالجامعات الأهلية».
تعرض «خالد» لصدمة كبيرة بمجرد سماعه الرقم المطلوب، ويقول: «أنا قلت ممكن يطلب ٥ آلاف جنيه مثلًا، وساعتها ممكن أفكر وأحسبها، عشان تعب أخويا فى التقديم، ورغبتى فى مساعدته، لكن صُدمت لما لقيت العمولة تساوى مصروفات الكلية ويمكن أكثر منها كمان».
ولذلك رفض «خالد» أن يُكمل الاتفاق مع «السمسار»، لأنه رأى مبلغ العمولة المطلوب مبالغًا فيه وكبيرًا للغاية، وهو ما دفعه للاستقرار على التقديم لشقيقه فى أكثر من كلية متاحة لمجموعه بمختلف الجامعات، ومن المؤكد قبوله فى إحداها.
لم يختلف الحال مع «مارينا»، التى جلست فى أحد «مكاتب الخدمات الطلابية» للتقديم لابنتها فى الجامعات الأهلية، وذلك بملء استمارة التقديم بالرغبات المتاحة فى جامعة «الجلالة»، بعدما استفسرت عن كل تفاصيل التقديم، ودفعت مبلغ «العمولة» الذى حدده المكتب معها قبل إعطائها استمارة الرغبات.
وقالت «مارينا» إن ابنتها حصلت على مجموع ٩٠٪ «علمى علوم»، ولم تستوف شروط الحد الأدنى لكليات الطب البشرى والصيدلة أو الأسنان، لذلك بحثت عن أى وسيلة تضمن لها قبول ابنتها فى إحدى الكليات العلمية بالجامعات الأهلية.
وأضافت: «طفت على عدد من الجامعات الأهلية والخاصة، لتحديد أىٍّ من الجامعات التى ترغب ابنتى فى الدراسة بها، إلى أن استقررنا على جامعة الجلالة، وبالتزامن سمعت عن السماسرة الذين يوفرون فرصًا لقبول الطالب فى الجامعات الأهلية، دون النظر إلى مجموعه، لكن بشرط دفع مبلغ العمولة الذى يحددونه، وبالفعل توجهت وابنتى إلى هذا المكتب، ومعى شهادة الثانوية وصورة البطاقة، إلى جانب مبلغ العمولة المبدئى المقدر بـ٥ آلاف جنيه».
وبحث أحمد رجب، الحاصل على مجموع ٩٠٪ «علمى علوم»، عن شروط القبول فى الكليات العلمية بمختلف الجامعات الأهلية والخاصة، خاصة الطب البشرى أو طب الأسنان.
وقال «رجب»: «معظم الجامعات الخاصة وفر المعلومات المتعلقة بكيفية التقديم، مع سهولة التواصل مع الجامعة تليفونيًا، أو الذهاب إلى مقرها نفسه، لكن الأزمة كانت تكمن فى الجامعات الأهلية، فلم تكن هناك تفاصيل واضحة عن التقديم سوى موعد فتح باب التقديم وانتهائه».
وأضاف: «كانت المعلومات عن الجامعات الأهلية شحيحة، بداية من مصروفات كليات الجامعة، ووسائل المواصلات، والسكن الجامعى، وكلنا كطلبة نجتهد فى البحث عن أى معلومات إضافية، واللى عنده معلومة بيقولها وينشرها لزمايله، لكن لم نكن متأكدين من مدى صحة هذه المعلومات».
فى تلك الأثناء، والحديث لا يزال لـ«رجب»، «تواصل معنا أشخاص مجهولون، أى أن هويتهم غير واضحة على فيسبوك، ومافيش معلومات أو صورة شخصية لهم، وعرضوا علينا توفير فرص للتقديم فى الجامعات الأهلية، ومساعدتنا على القبول بإحداها، والنجاح فى اجتياز اختبارات القدرات، ولما بدأنا نتواصل معهم لمعرفة طرق التقديم كانوا يطلبون عمولة مقابل قبول الورق فى الجامعة».
وأوضح أن أحدهم طلب منه ١٨٠ ألف جنيه، حتى يضمن له القبول فى كلية الطب البشرى بأى جامعة أهلية، وعندما استفسر منه إذا كان هذا المبلغ سيشمل المصروفات الدراسية أم لا، أجابه «السمسار»: «هذا المبلغ هو عمولة فقط، مقابل تقديم الورق والقبول فى الكلية، ولا يشمل مصروفات الجامعة».
وأشار إلى تواصل «سمسار» آخر معه، وطلب منه عدم الانسياق وراء حديث أشخاص غير موثوق بهم، ومن الممكن أن يأخذوا مبلغ العمولة ولا يتم قبوله فى الجامعة، ثم عرض عليه مساعدته فى التقديم، لكن بمبلغ أقل بكثير قُدر بـ٨٠ ألف جنيه، مشددًا على أن له علاقات قوية داخل الجامعات الأهلية، ويمكنه «تمرير ورق أى طالب، واجتياز شروط القبول فى أى كلية»، لكن «رجب» تجاهله بتوجيهات من والده.
شخصية شهيرة تروج للاحتيال

الغريب هو تورط شخصية إعلامية شهيرة فى الترويج لمؤسسة «أدميشن لاند»، التى تدعى أنها أول وكيل حصرى للتقديم للجامعات الأهلية فى مصر، حيث قال فى مقطع فيديو تم نشره عبر صفحة «أدميشن لاند» على «فيسبوك»: «أنا أتفاجئت مفاجأة سارة جدًا لما عرفت إن فى ناس فى مصر بتساعد طلاب الثانوية العامة أنهم يخلصوا إجراءات الالتحاق بالجامعات الخاصة». وأضاف أن «الخدمة بالفعل موجودة فى الولايات المتحدة الأمريكية بمقابل مادى.. بعض المؤسسات تساعد الطلاب على إنهاء الإجراءات للالتحاق بالجامعات». وتابع: «أول مرة أعرف إنها موجودة فى مصر، وإن هناك شركة تساعد الطلاب للالتحاق بالجامعات، ولو كنت أعرف كنت هقولهم ساعدونى وماكنتش دخلت طب أصلًا أنا بحب الأفكار الخلاقة».
«التعليم العالى»: لم نفوِّض أحدًا وسنلاحق المتورطين

أكد الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمى باسم وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، عدم وجود أى «وكلاء» للجامعات الأهلية، نافيًا أى علاقة بين الوزارة وهذه الجامعات، و«السماسرة» الذين يعرضون على الطلاب التقديم لهم فى الجامعات الأهلية مقابل مبالغ مالية معينة.
وقال «عبدالغفار»، لـ«الدستور»: «وزارة التعليم العالى لم تفوض أى مؤسسة أو كيان فى تلقى طلبات التحاق الطلاب بالجامعات الأهلية الجديدة، سواء الجلالة أو العلمين أو الملك سلمان، والوزارة هى المسئولة عن هذه الجامعات، وتستقبل طلبات التقديم من خلال الموقع الإلكترونى الرسمى المخصص لذلك، وهو http:admission.egypt-hub.edu.eg، دون وجود أى وسيلة أخرى».
وأضاف: «وزارة التعليم العالى والبحث العلمى قدمت بلاغًا ضد أحد الكيانات التى زعمت تفويضها من قبل الوزارة فى تلقى طلبات الطلاب للتقديم فى الجامعات الأهلية، وستلاحق البقية»، مناشدًا جميع أولياء الأمور بعدم الانسياق وراء هؤلاء الأشخاص الذين يستغلون الطلاب للتربح بطرق غير شرعية.