جدوى وقوف أمريكا وحدها ضد إيران
الثلاثاء الماضى، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على «6 أفراد، و3 كيانات» لتورطهم فى نقل شحنات نفط إلى سوريا. وجاء فى بيان الوزارة، أن قائمة المستهدفين من الشبكة تضم المواطن السورى «محمد عامر الشويكى» وشركته «جلوبال فيجن جروب» ومقرها روسيا، حيث تقوم بتمويل «فيلق القدس الإيرانى، وميليشيات حزب الله، وحركة حماس».
فى هذا الأمر لا تخفى واشنطن أنها تلجأ إلى الآليات العقابية لأجل تنفيذ نوع من العزل على نظام بشار الأسد، باعتباره مسئولًا عن الاعتقال والقتل الممنهج لأعداد كبيرة من السوريين؛ إثر خروجهم للاحتجاج على الوضع السياسى والحقوقى، حيث يمثل هذا التفسير المرجعية المعتمدة الأمريكية لأحداث 2011 فى سوريا. لذلك يأتى تصريح وزير الخزانة الأمريكى «ستيفن منوتشين»، فى البيان الرسمى ذاته متسقًا مع ما سبق: «نتحرك اليوم ضد مخطط معقد تستخدمه إيران وروسيا، لدعم نظام بشار الأسد ولتوفير الأموال للنشاط الإيرانى الخبيث، فمسئولو البنك المركزى الإيرانى مستمرون، فى استغلال النظام المالى العالمى». حيث تعتبر وزارة الخزانة أن روسيا سهلت تسليم النفط من إيران إلى سوريا. وأنه تم استخدام مجموعة مختلفة من الآليات، فى محاولة لإخفاء الشحنات والمدفوعات المتعلقة بالنفط.
ويؤدى إدراج وزارة الخزانة الأمريكية الأفراد والكيانات على لائحة العقوبات إلى عزلهم فعليًا عن النظام المالى العالمى، كما يشمل تجميد أى أصول لهم تحت الاختصاص القضائى الأمريكى، وتحذير المؤسسات غير الأمريكية من التعامل معهم. وهى مساحة تضييق كبيرة قد لا تحتملها أنشطة اقتصادية، هى بطبيعتها عابرة للحدود فضلًا عن ارتباطها الوثيق بالنظام العالمى. لذلك تمثل عقوبات من هذا النوع «الأمريكى»، ضربة حقيقية لبعض الأنشطة مما يدفعها إما للتوقف والتصفية، أو أن تتحمل تكلفة باهظة لمسار التفافى تضطر إلى سلوكه فى حال رغبتها أو اضطرارها للمضى قدمًا. وقد شملت القائمة الجديدة أيضًا أهدافًا أخرى هى المواطن السورى حاج عبدالناصر، والمواطن اللبنانى محمد قاسم البزال، والمواطن الروسى آندريه دوجاييف، وكذلك المواطنان الإيرانيان رسول سجاد وحسين يعقوبى مياب.
لكن كل هذا لا يخفى على الأمريكيين فى الداخل أنهم على صعيد تلك القضية تحديدًا يواجهون وضعًا مُستجدًا بالنسبة لهم على الأقل لأول مرة. تتمثل مظاهره فى اختفاء عشرات الدول التى بذلت جهودًا سابقة، على مدار عقود من القيادة الأمريكية، لمنع تشكل قدرة إيران النووية. ويجدون أن هذه الندرة فى الدعم الدولى تركت إدارة ترامب معزولة على نحو خطير. حيث بدأت تثار أسئلة وملاحظات من نوع، لا ينبغى أن تعنى عبارة «أمريكا أولًا» أن تكون أمريكا وحيدة. فمما هو بادٍ حتى الآن، أن الولايات المتحدة تخاطر بخسارة تعاون الحلفاء التاريخيين والموثوقين لها، سعيًا وراء مصالح الأمن القومى الأمريكى الأخرى بعيدًا حتى عن مشكلة إيران، التى لن تمثل سوى عنوان أو بداية بدأت تتشكل ولا يلوح أنها سترمم قريبًا على أصعدة أخرى.
فمما رصدته واشنطن مؤخرًا، منذ بداية فتح إدارة ترامب لملف إعادة النظر فى الاتفاقية النووية مع إيران، أن المعارضة الأوروبية والآسيوية المتصاعدة للتجاوز الأمريكى بدأت تثير أيضًا مخاوف ظاهرة حول الدور المهيمن لوزارة الخزانة الأمريكية، والسلطة الساحقة التى يمارسها الدولار الأمريكى على النظام الاقتصادى العالمى.هذا دفعهم للقول والاعتراف علنًا بأنه للمرة الأولى يعمل حلفاؤنا الأوروبيون بنشاط للتحايل على وزارة الخزانة الأمريكية، والعقوبات ومن قبلهما الدولار. كما لا يخفى حجم المكاسب التى تحصدها روسيا والصين وغيرهما فى آسيا جراء المزيد من الانقسام فى التحالف الغربى وخسارة القيادة الأمريكية.
أمريكيا أيضًا، عندما وجدت الإدارة نفسها تحتاج إلى بعض المحفزات من أجل المضى قدمًا فى إعادة تشكيل الخطر الإيرانى فى أذهان الحلفاء أو على مائدة اهتمامات تحركهم. بدأت تفرج أو تسلط الضوء على بعض مما لديها من معلومات، ربما صمتت عليها سابقًا وفق توجهات إدارة أوباما التى كان لها وجهة نظر أخرى فى التعاطى مع الملف برمته. وكان مما بدأت واشنطن اليوم تلح عليه وتذكره أمام حلفائها، كجدول أعمال يستلزم مواجهته، أن إيران تزود «حزب الله» بمفرده بحوالى 700 مليون دولار سنويًا، وتمنح 200 مليون دولار أخرى إلى جماعات فلسطينية متنوعة. وتضيف مبالغ أخرى مقدمة إلى إرهابيين آخرين فى سوريا، ليناهز الرقم الإجمالى المليار دولار. كما بدأ يشار بوضوح إلى فضل دعم طهران، فى تمكين «حزب الله» من بناء ترسانة مخيفة من الأسلحة. حيث أصبح الحزب الآن يمتلك قدرات هائلة ومتنوعة تتمثل فى أكثر من 100 ألف صاروخ مخزنة فى لبنان، وعلى جاهزية الاستخدام ضد إسرائيل أو فى سوريا، فضلًا عن إخلالها الجسيم بمعادلة الداخل اللبنانى، وهذا تعاظم ضخم ومزعزع للاستقرار.
مثل عام 2018 وحده، بداية لما أسمته خطة فرض وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات مشددة على إرهابيين مرتبطين بإيران. من أجل محاصرتهم ووضعهم على لائحة الملاحقة الدولية، وفى هذا صنفت الولايات المتحدة «سرايا الأشتر» فى البحرين والعديد من قادتها كإرهابيين، إلى جانب «حركة الصابرين» الجماعة المدعومة من إيران والتى تعمل فى غزة. وعشرات من القرارات الأخرى التى ستسهم دون شك فى تضييق المساحات، والفجوات الأمنية التى طالما صمتت عنها قبلًا واستفادت منها تلك التنظيمات وغيرها. ممن كانوا يتحركون بحرية فى الفضاء الأمريكى، والأوروبى على وجه الخصوص، على الأقل فى سياق التمويل لتلك التنظيمات، من خلال نقل الأموال واستثمار المحافظ التى تخدم وتؤمن احتياجات التنظيمات وقادتها. لكن وفق مشهد الانقسام الواضح ما بين حلفاء هذا المعسكر، ومع التباعد الكامل للصين وروسيا عن الانخراط الإيجابى فى هذا الملف، تظل جدية إحداث نقلة فارقة أو إحكام فعلى على تمددات النشاط السرى الإيرانى، محل شك، ويحتاج إلى خطوات ورؤى وقرارات أشمل مما هى عليه اليوم.