جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

المخرجة ملالى زكريا: أُحضِّر لفيلم سينمائى عن علاقات كابول والقاهرة

المخرجة ملالى زكريا
المخرجة ملالى زكريا

تفخر بتحضُّر المرأة المصرية.. وتتمنى أن تكون الأفغانيات مثل الملكة كليوباترا
بعد هجرتها إلى فرنسا، فى ظل الحرب التى عصفت بأفغانستان لعدة عقود، عادت المخرجة ملالى زكريا إلى بلادها، لتبدأ رحلتها فى التصدى لمشكلات النساء فى البلاد التى عانت من فكر حركة «طالبان». «الدستور» التقت المخرجة الأفغانية، وتحدثت معها عن أسباب عودتها إلى بلادها بعد هجرتها الطويلة، وأسباب اتجاهها للعمل الفنى فى مجتمع يعانى من وجود تعقيدات كثيرة تعوق عمل المرأة، وطبيعة الموضوعات التى تناولتها فى أفلامها المثيرة للجدل، حول قضايا بلادها، بالإضافة إلى تفاصيل مشروعاتها الفنية فى الفترة المقبلة.

■ كيف كانت بداياتك العملية كمخرجة؟
- تركت أفغانستان أثناء الحرب، وذهبت إلى باريس، ثم عدت فى ٢٠٠٥، بعد نهاية الحرب وانتهاء حكم «طالبان»، للبحث عن شخصيتى وهويتى وأصولى، لكنى لم أبدأ العمل فى المجال الفنى، بل بحثت عن عمل عادى، ولم يكن أمامى سوى فرصة العمل فى مدرسة عسكرية، بسبب مرض أحد المعلمين، فحللت محله لمدة عامين، كمدرسة للغة الفرنسية، وكنت السيدة الوحيدة فى هذه المدرسة، لأن المتعارف عليه هو قيام الرجال فقط بالتدريس فى المدارس العسكرية.
■ كيف كانت تجربتك فى مجال التعليم؟
- فى هذه المدرسة العسكرية، اكتشفت أن الطلبة مازال تفكيرهم متوقفًا عند فترة الحرب مع «طالبان»، وقررت أن أغيّر هذه النظرة الضيقة للحياة، وأن أوجه تفكيرهم إلى كيفية بناء الدولة، بعيدًا عن عقلية الحرب، خاصة أننى كنت أعقد أملًا كبيرًا على الجيل الجديد من الصغار، لأن تغيير فكر الكبار، وإبعادهم عن عقلية الحرب كان صعبًا للغاية.
■ كيف تقبل الطلبة ذلك؟
- كان الطلاب يستمتعون بطريقة تدريسى لهم، خاصة أننى استطعت أن أقنعهم بأننى قريبة منهم فى التفكير، ولكونى أفغانية فرنسية، فقد استغللت هذا الثراء الفكرى الناتج عن تعرضى لثقافة جديدة، وأحببت أن أنقل هذه الثقافة إلى الطلاب، وأن أشرح لهم تجربتى، كفتاة من الشرق، تعلمت فى الغرب، كيفية التواصل بين المجتمعين.
كان هذا مهمًا، لأن المجتمع كان مغلقًا، ومتأثرًا بفكر «طالبان»، ويعتقد أن البنات لا يجب أن يذهبن إلى المدارس، لذا حاولت أن أنقل لهم فكرة أننا يمكن أن نقتبس من الغرب ما يتناسب معنا، وما ينفعنا، ويفيد فى بناء شخصيتنا، واستمر ذلك حتى انتهائى من مرحلة التدريس عام ٢٠٠٨، وانتقالى لخوض تجربة أخرى فى حياتى العملية.
■ ماذا فعلت بعد ذلك؟
- ذهبت إلى جميع المدن الأفغانية، كى أتعرف على حياتهم عن قرب، وتحدثت مع الناس فى كل المناطق، ودونت ما آراه من مظاهر، ورصدت حياة الناس، وواجهت عددًا من المواقف الصعبة التى أثرت تجربتى الفكرية.
■ ما أهم هذه المواقف التى واجهتها؟
- أحد أصعب المواقف التى واجهتنى فى حياتى، كانت ذهابى إلى المحكمة، لاسترجاع قطعة أرض كانت ملكًا لجدتى، وفوجئت بأن القاضى لا يريد أن ينظر إلىّ، وقال لى: «ألا يوجد رجل يأتى بدلًا منك لكى يتعامل مع المحكمة؟»، وطلب منى أن آتى بأى رجل ليمثلنى، حتى ولو كان مجرد صديق، ورفض التعامل معى بشكل تام، رغم أنى كنت أذهب للمحكمة كل يوم، لمدة ٣ شهور، لكى أثبت لهم مدى إصرارى على مواصلة القضية، وأننى إنسانة يجب أن يتعاملوا معها مثل أى رجل، حتى إننى امتنعت عن الطعام لحين حل قضيتى.
■ هل هناك مواقف أخرى؟
- أراد أحد الرجال الأغنياء الزواج بى، وكان متزوجًا من اثنتين ويريد أن يجعلنى زوجة ثالثة، فقلت له: «يجب أن تعطينى وقتًا لأتزوج أنا أيضًا من زوجين قبلك، ثم أقبل هذا العرض، لتكون أنت أيضًا الزوج رقم ٣»، فصدمه كلامى، وتعجب من أن هناك سيدة تتجرأ على قول مثل هذا الكلام، خاصة أن الناس فى أفغانستان لا ينادون الزوجات بأسمائهن، وإنما يطلقون عليهن أرقاما، مثل زوجة رقم ١، وزوجة رقم ٢، وهكذا.
وتسببت مثل هذه المواقف فى إثارة تساؤلات حول عدم رغبتى فى الزواج أو إنجاب الأطفال، وكنت أجيب دائمًا أن لدى ٩٦ طفلًا، هم أبناء الملجأ الذى أديره منذ سنوات، لذا لا أحتاج لأطفال آخرين.
■ كيف بدأ عملك كمخرجة سينمائية؟
- فى ٢٠١٠، أخرجت فيلمًا عن أفغانستان، وكان إنتاجًا مشتركًا بين أسكتلندا وإيران وتركيا والهند وأفغانستان، ودارت قصته الواقعية عن حياة النساء فى أفغانستان، ومعاناة سيدة أصيب زوجها أثناء الحرب إصابة بالغة، أدت إلى الشلل الكامل، وكانت تريد أن تظل إلى جواره، لكن تقضى العادات ألا يُسمح لها بالاستمرار فى بيت زوجها إلا إذا أنجبت له أطفالًا.
وفى ظل مرضه لم يكن هذا ممكنًا، لذا لم يكن أمامها سوى أحد حلين، إما أن تقيم علاقة غير شرعية مع أخو الزوج لتنجب طفلًا ينسب إليه، أو تنجب عن طريق التخصيب الصناعى المكلف.
■ ألا تخشين من ردود الأفعال بسبب جرأة موضوع الفيلم؟
- فى الحقيقة، الواقع فى أفغانستان أسوأ بكثير، والكل يعرف هذه الأمور، لذا لا أخشى من ردود الأفعال على الفيلم، لكن المشكلة الكبرى تتمثل فى عدم وجود سينما من الأساس لعرضه بها، رغم أن الأفلام يمكنها صنع تأثيرات إيجابية فى أفغانستان أفضل من الكتب، نظرًا لارتفاع نسبة الأمية، خاصة أن الصورة تساعدهم على الاطلاع على مثل هذه الموضوعات المهمة.
وهناك من تحمس لفكرة الفيلم، رغم أن كثيرين كانوا ضدها، وعلى أى حال، أنا أعلم أنها مخاطرة، لأنى فى النهاية امرأة، وهناك من سيهاجمنى فقط بسبب ذلك، أيًا كان ما أفعله، ومنهم من هددنى بالقتل فعلًا، لكن يشرفنى أن أموت من أجل إيصال فكرتى، ومن أجل أن ترى النساء فى أفغانستان حقيقة الأوضاع، ويبدأن فى مواجهتها، خاصة أن الأفغانيات قويات، فقد عاصرن ٤٠ عامًا من الحرب، وسوف يحصلن على حقوقهن، رغم الصعوبات، لأن عندهن إيمانًا بالنفس وبضرورة التغيير وصناعة المستقبل.
■ تعملين عادة مع دول خارجية.. فلماذا لا تتعاونين مع المسئولين فى أفغانستان؟
- طلبت مساعدتهم فى إنتاج بعض الأفكار، لكنهم اعتذروا بسبب عدم توافر الأموال، خاصة أن أفلامى تحتاج لتمويل كبير، وهو أمر صعب خاصة حين أناقش قضايا مثيرة للجدل، أو أعمالًا توثيقية، لكنى أحاول دائمًا إقناعهم برسالتى الفنية فى مواجهة التطرف، وسهولة وصول هذه الأفكار إلى الأجيال المقبلة، فالمسئولون هنا يهتمون أكثر بإنتاج الأعمال الترفيهية، وإن كانوا رحبوا مؤخرًا بإصدار فيلم عن مصر وأفغانستان.
■ ما طبيعة هذا الفيلم؟
- الفيلم عن العلاقات المصرية الأفغانية، وسبق أن ناقشته مع مسئولى الحكومة فى أفغانستان، ورحبوا به، ويدور حول إبراز القيم الثقافية المشتركة بين الدولتين، ومناقشة أحوال النساء فى المجتمعين، بمشاركة فنانين مصريين وأفغان، خاصة أن المرأة المصرية مسلمة ومتحضرة، وتتابع كل ما هو جديد، وهى مثال للمرأة القوية، ولها شهرتها عند الأجيال القديمة والحديثة، لأنها بلاد أم كلثوم وكليوباترا، التى أفخر بها شخصيًا، وأنا أفخر بالمرأة المصرية وأتمنى أن تكون المرأة الأفغانية مثلها.
■ ما أهم المشكلات التى تعانى منها المرأة الأفغانية؟
- المشكلات كثيرة، لكن أغربها هو ما يُعرف بـ «زواج البدل»، وقد تعرفت بنفسى على معاناة إحدى الفتيات بسببه، فهذا النوع من الزواج الغريب، يحدث حين يشاهد أى رجل إحدى الفتيات فى الشارع، ويقرر أنه يريد الزواج منها، دون أى تعارف، فيذهب خلفها إلى بيت أهلها، ويسأل عنها، ثم ينادى عليها باسمها علنًا أمام الجميع، ويطلق أعيرة نارية فى الهواء على سبيل التحدى للعائلة.
ووفقًا للأعراف، لا يكون أمام أهل الفتاة سوى الاختيار بين ٣ بدائل، فإما خروج ولى أمرها، سواء كان الأب أو الأخ، إلى الرجل وقتله لأنه ذكر اسم ابنتهما علنا، ما يولد ثأرًا بين العائلتين، أو الموافقة على الزواج، على أن يتزوج أحد أفراد أسرتها بإحدى قريبات الرجل، على سبيل البدل، أو تخرج الفتاة نفسها لترفض الزواج، على ألا تتزوج أبدًا بعد ذلك، وتظل تحيا فى بيت أهلها حتى الموت، ولا يجوز لأحد طلبها للزواج بعد ذلك.
■ماذا عن أعمالك الفنية فى الفترة المقبلة؟
- يوجد العديد من الموضوعات والأفكار التى أعمل عليها، وحاليًا بدأت كتابة نصين للمسرح، وأجهز لفيلم جديد، يتناول قصة حقيقية لفتاة تم رجمها فى أفغانستان عام ٢٠١٥، بسبب قصة حب، ومن المقرر تصويره فى فرنسا، ليعرض هناك.