في النور.. الحقيقة تبان
خبر عاجل: أعلن حزب النور السلفى المصرى تأييده ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسى لولاية رئاسية ثانية فى الانتخابات المقررة فى مارس المقبل، وقال رئيس الحزب، يونس مخيون، فى مؤتمر صحفى، إن السيسى هو «أقدر من يقوم بهذه المهام الجسيمة خلال السنوات الأربع المقبلة»، مشيرًا إلى تحسن الوضع الاقتصادى ومكافحة الإرهاب، وطالب رئيس حزب النور بتفعيل المواد الدستورية لتحديد أدوار كل المؤسسات، وعدم العمل فى قلاع محصنة بعيدًا عن الأحزاب السياسية.
خبر قد يكون مُدهشًا ومُثيرًا للاهتمام للقارئ الطيب النية، الذى لم يتابع تاريخ ذلك الحزب ومواقف رجاله ورموزه شموس النور فى عتمة ليل السياسة الغامض البهيم الخادع الكاذب.
بداية أود الاعتذار لقناة «سى. تى. فى» لاقتباس شعارهم البديع «فى النور.. الحقيقة تبان» لأنى رأيته سبيلنا لتوضيح الأمر لدى حبيبنا القارئ الطيب النية ومحاورى الجميل فى قعدات الونس الطيبة، والذى بادرنى بسؤال تلو الآخر، وقد صار الحوار التالى: إنت إزاى مش مندهش من الخبر ده ومبادرة الحزب بتأييد الرئيس؟.. ولِمَ الدهشة يا صديقى أليس حزبًا ككل الأحزاب التى أيدت لأن ليس لديها من يصلح للرئاسة؟.. نعم، ولكنه بالفعل ليس ككل الأحزاب، أليس منهم وبالتحديد القيادى السلفى عبدالمنعم الشحات من قال بشكل واضح جلى بعد تنحى مبارك بشهور قليلة «السلفيون لن يتركوا السياسة لأشخاص كارهين لدين الله» باعتبار أنهم وحدهم من أحب دين الله؟!.. لكنهم يا عزيزى كانوا على منصة ٣ يوليو مع الرئيس لطرح والموافقة على خارطة طريق ما بعد ٣٠ يونيو والإطاحة بحكم الإخوان، وهم الحزب الوصيف للحزب غير المأسوف عليه «الحرية والعدالة» وها هو دورهم قد جاء من وجهة نظرهم.
وهم أيضًا من كانوا على منصة رابعة وشاركوهم لعبة المتاجرة بالشعارات الدينية قبل وفى زمن حكم الإخوان، الذى أعقبه انحياز الجيش للشعب عندما ثار بالملايين لإسقاط حكمهم.. لكن لا تنس أنهم كسبوا حكمًا مؤيدًا لحدوتة إنهم حزب بمرجعية دينية وليس حزبًا دينيًا ولا تحرجنى وتسألنى: وإيه الفرق؟ لكن أهو خرجوا من المأزق الدستورى الصعب الذى يمنع إقامة أحزاب دينية.. ده حتى الديمقراطية عندهم خضعت لمعايرة وتوصيف «التحليل والتحريم» ليعودوا بنا إلى قرون ما قبل الحضور الإنسانى، ولا نسيت إعلان عبدالمنعم الشحات أن الديمقراطية بتاعتنا «حلال» والديمقراطية بتاعة الغرب حرام وكفر، ولولا أن «الشحات» حين أطلق تعريفاته تلك كان بصدد دخول الانتخابات وهى أداة من أدوات الديمقراطية لكان قد أكد بشكل نهائى أهمية رفض وإلغاء المدعوة «ديمقراطية» بكل أشكالها من الوجود على الأرض!.. الشحات كان يرى أن الديمقراطية فلسفة تناقض عقيدة المسلم، لكنها قد تصنع نظامًا يناسب تياره، المبدأ وعكسه وكله ماشى على كل لون يا «بطسطة» فى زمن التوهان.
أيوه، بس بسرعة جذب لحزبهم أقباط وعمل لهم عضوية علشان يثبت إنه مش حزب دينى، وجاب بنات وستات من عضوات الحزب وعمل منهن مرشحات فى الانتخابات لكن حط بدل وجوههن ورود.. منتهى الرومانسية والنعومة الحزبية.. دول أقباط أصحاب مشاكل الأحوال الشخصية واستغل الحزب ظروفهم البائسة وحالة الضياع وضمهم لحد ما يضمنوا الموافقة على قيام وثبات الحزب.. وبعدين أنا مش فاهم بصراحة الرئيس من أول يوم فى ولايته بيتكلم عن إصلاح الخطاب الدينى والثقافى والإعلامى، وقيادات حزب النور الله ينور يا باشا أكبر جهة لتصدير التصريحات والفتاوى المثيرة للفتن والداعية لتفكيك الوحدة الوطنية، والفكر الوهابى هو المرجعية الأساسية للدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، ومن بين أبرز شيوخ الوهابية الذى تأخذ عنه الدعوة السلفية فتواها هو الشيخ ابن باز الذى يرفض الأخوة الوطنية بين المسلم والمسيحى، حيث يعتبر المسيحى كافرًا بما أنزل الله، وبالتالى هو عدو حتى لو كان من نفس الوطن فيقول «لا أخوة ولا محبة بين المسلمين والكافرين، وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامى والنصرانى»!.
أيوه، لكن «برهامى» أبدى بعض التراجع عن بعض ما أفتى والتى كانت جميعًا بعنوان «لا يحل للكافر»، وأهمها الفتوى التى صدرت فى ٢٠١١ فى كتابه «الدعوة السلفية والعمل السياسى»، التى قال فيها «إنه لا يجوز للمسيحى الترشح للانتخابات البرلمانية لأنها سلطة تشريعية ورقابية، لأن هذا سيمكنه من عزل رئيس الدولة ومحاسبة الحكومة» قائلًا فى ذلك «لا يحل للكافر أن يتولاها»، فى إشارة للمسيحيين.. لكن برهامى نفسه، صدرت عنه أيضًا تصريحات حول وجود أقباط على قوائم النور قبيل انتخابات مجلس النواب الأخيرة، بأن ترشح الأقباط على قوائم حزب النور مبنى على قاعدة مراعاة المصالح والمفاسد، كما أن هذه القضية بها خلاف شرعى، موضحًا أن الحزب عندما رشح الأقباط كان يبتغى مصلحة الوطن أولًا، وأوضح ردًا على سؤال فى موقع «أنا السلفى»، أن حزب النور امتثل للقانون، الذى ألزم بضم الأقباط للقائمة، والقانون نحن ملتزمون به حتى إن كان لدينا رأى مختلف، ولكن نحتكم للقانون والدستور المصرى. الطريف قول د. مخيون فى المؤتمر الصحفى «الإرهاب ظاهرة خطيرة تبدد ثروات المجتمع البشرية، لذا علينا التكاتف لمواجهة الإرهاب الفكرى والأيديولوجى، وهو ما يخدم العمل المشترك مع مؤسسات الدولة الدينية والجمعيات الدينية الوسطية».وأشار إلى ضرورة تجديد الخطاب الدينى وتحديد أوجه التجديد مع احترام ثوابت الدين دون المساس بها. وطالب رئيس حزب النور بتفعيل المواد الدستورية لتحديد أدوار كل المؤسسات وعدم العمل فى قلاع محصنة بعيدًا عن الأحزاب السياسية...». ويا سيد «مخيون»، أى إرهاب فكرى تتحدث عنه أخطر من فتاوى ومقولات بعض أبرز قيادات الحزب دون نفى أو تكذيب أو حتى تراجع وتصويب؟، وعن أى خطاب دينى تحدثنى، وعن أى دستور وقد خالفتم مواده؟.. لك الله يا مصر، وبالفعل «فى النور... الحقيقة تبان»، ولعل رب ضارة نافعة، فلولا خروج عصابات الإخوان للنور ومن تبعهم من تيارات أصولية متشددة لطال زمن سيطرتهم على مقدرات وثروات وحريات شعبنا العظيم فى اختيار سبل التقدم.. ولعلنا نردد «كيرياليسون» التى اتخذها الكاتب الرائع حمدى رزق عنوانًا لكتابه المهم الأخير، ونقرأ ما سطره حول توجهات ذلك الحزب الوصيف ومخاطر شعاراته البائسة المعرقلة بالطبع لكل مناشدات الرئيس المتكررة المهمة والرائعة لإصلاح الفكر الدينى والثقافى.. سلام يا صديقى.