جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

سورة النور تقهر ظلام الإلحاد


فى سورة «النور»، الآية رقم ٣٥، يقول الله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ».
هذه الآية تطرح مجموعة من الأسئلة:
كيف تتعرض شجرة الزيتون لكمية كافية من ضوء الشمس، وزيتها يمكن أن يضىء لوحده؟، ولماذا أوضحت الآية حالة مماثلة من الضوء على نطاق أكبر (نطاق الكوكب)؟.. «الزجاجة كأنها كوكب»، وكيف يضىء زيت الزيتون لوحده بنفس الكيفية التى يضىء بها كوكب الأرض مثلًا؟، وهل كوكب الأرض يضىء أصلًا؟، ثم إن «نور على نور»، معناها أن الضوء يتراكب على بعضه البعض، فهل الضوء له عزم ويكون متراكبًا؟
كلنا درسنا عملية البناء الضوئى التى تقوم بها النباتات، وعرفنا أنها أهم العمليات الحيوية فى الكون، وتستقبل فيها النباتات ضوء الشمس وتحوله إلى مركبات غذائية وأكسجين يستفيد منها النبات نفسه والإنسان، وكل دابة على الأرض.
ولو نظرنا لهذه العملية تحت الميكروسكوب الإلكترونى، سنكتشف أن صبغة «الكلوروفيل» الخضراء الموجودة فى النباتات تستقبل ضوء الشمس، وتجعله يطلق فيها إلكترونات، ومن ثم تذهب إلى جزىء آخر من صبغة «الكلوروفيل» اسمه «مركز التفاعل»، وهنا اكتشف علماء الفيزياء أن كل الإلكترونات لا تأخذ نفس الطريق لمركز التفاعل، لكن تأخذ طرقًا كثيرة مختلفة فى نفس اللحظة، وفى آنٍ واحد «والتواجد فى أكثر من مكان فى آنٍ واحد»، وهو ما يسميه علماء الفيزياء أساس أو قلب نظرية «الكم» أو «الكوانتم».
اعتماد النبات على نظرية الكوانتم فى عملياته الحيوية، دائمًا ما يدفع علماء الفيزياء إلى أن يضربوا به المثل عندما يريدون أن يشرحوا نظرية «الكوانتم».. لكن ما الذى يجرى للنباتات نتيجة اعتمادها على نظرية «الكوانتم»؟
عندما تستقبل النباتات كمية كافية من أشعة الشمس تتوهج مضيئة بنور «فلورسنتى» فى ظاهرة سماها العلماء «الإضاءة الفلورسنتية للكلوروفيل»، هذا النور يخرج منها باستمرار ليل نهار ولا يتوقف أبدًا، وهو موجود فى كل شىء حولنا، وإن كانت عيوننا لا تراه، لكن تم رصده من الفضاء بأجهزة حديثة وحساسة مُركبة على الأقمار الصناعية فى ظاهرة على نطاق أوسع، سماها العلماء «الإضاءة الفلورسنتية للكلوروفيل على نطاق كوكب الأرض».
وهذا ما يفسر ظهور كوكب الأرض من الفضاء مثل الدُرة المتلألئة، فهو دائمًا يضىء بنور فلورسنتى، كما ذكرت «جوانا جوينر»، عالمة الفضاء بوكالة «ناسا» فى مقطع فيديو منشور على موقع الوكالة، تبلغ مدته حوالى ٣ دقائق.
إليزابيث ميدلتون، العالمة بوكالة «ناسا»، قالت إنهم يعتمدون على رصد النور الفلورسنتى من كلوروفيل النباتات على الأرض فى رسم خرائط فلورسنتية من الفضاء لكل دولة على حدة، توضح توزيع كثافات النباتات واحتمالية حدوث مجاعات فى بعض الدول لا قدر الله، إذا قل النور المرصود من نباتاتها، لأن هذا معناه أن الكثافة النباتية قلّت أو تعرضت للإجهاد.
فبسبب تأثيرات «الكوانتم» على «الكلوروفيل» كل النباتات تضىء بذاتها ليل نهار بنور «فلورسنتى»، ليس هذا فحسب، لكن بسبب تأثيرات «الكوانتم» أيضًا كوكب الأرض كله يضىء فى الفضاء ليل نهار بنور «فلورسنتى».
فإذا قلنا إن زيت الزيتون بخلاف كل الزيوت الأخرى يحتوى على صبغة الكلوروفيل الخضراء، لأنه نتاج عصر ثمرة وليس بذرة مثل بقية الزيوت، وهو ما يفسر لماذا لونها دائمًا أخضر، فزيت الزيتون يضىء بذاته أيضًا، نتيجة تأثيرات «الكوانتم» على «الكلوروفيل» الموجود فيه، وهو يضىء بنفس الكيفية التى يضىء بها كوكب الأرض، مثلما أوضح القرآن بالضبط، فالاثنان يعتمدان على نفس النظرية الفيزيائية «الكوانتم».
ولأن عيوننا الطبيعية لا يمكن أن ترى النور الفلورسنتى، فإن إثبات تلك الحقيقة لم يكن ممكنًا قبل اختراع «لمبة وود» سنة ١٩٠٣، التى يتم الاعتماد عليها فى الاختبار الذى يجريه مكتب معايير الجودة بالولايات المتحدة منذ عام ١٩٢٧؛ للتأكد من أن زيت الزيتون يضىء بذاته وليس مغشوشًا، وهذا ما أخبرنا به القرآن قبل ذلك بأكثر من ١٤ قرنًا.
إذا كنت لا تصدق كيف يصل النور الفلورسنتى المنبعث باستمرار، سواء من زيت الزيتون أو النباتات أو كوكب الأرض للفضاء، فلماذا تصدق أن رسالة محادثة، أو بريد إلكترونى تكتبه فى مصر يصل إلى الصين فى نفس اللحظة، أو أن قلم الليزر الذى تحمله فى يديك وينبعث منه النور يمكن أن يربك طيارًا ويجعله يغير مساره فى نفس اللحظة؟.
هذا هو التواجد فى أكثر من مكان فى آنٍ واحد، وهذه نظرية الكوانتم التى لم يتمكن أينشتاين نفسه من إيجاد تفسير لها.. فالليزر والكمبيوتر والكوانتم كمبيوتر والاتصالات اللاسلكية والخلوية والهاتف وأشعة الرنين وكيمياء الكوانتم، ما هى إلا تطبيقات لنظرية الكوانتم، والنور فى هذه النظرية هو نور متراكب، وليس مثل الإضاءة المنبعثة من الشمس ولا حتى مصباح الإضاءة فى المنزل، يعنى أن أشعتها لها نفس التردد ونفس الطول الموجى، بحيث يتطابقان ويتراكبان على بعض، مثلما جاء بالقرآن، حيث قال إن النور يتراكب «نور على نور».
وإذا لم يكن متاحًا قبل القرن العشرين التوصل إلى حقيقة أن زيت الزيتون يضىء بنفس الكمية التى يضىء بها كوكب الأرض فى الفضاء، قبل أن يتم تأكيد ذلك بفضل نظرية الكوانتم، فالقرآن وقبل ١٤٠٠ سنة ضرب لنا هذا المثل، فهل كان محمد، صلى الله عليه وسلم، عالمًا فى فيزياء الكوانتم، مثل «براين كوكس» أو «براين جرين».
فكيف كان سيعرف وقتها أن زيت الزيتون يمكن أن يضىء بذاته؟، وكيف كان سيشبه إضاءته بإضاءة الكوكب كله؟، وكيف كان سيعرف أن زيت الزيتون وكوكب الأرض نورهما متراكب «نور على نور»، لأن الاثنين يعتمدان على نظرية واحدة اسمها الكوانتم؟، هذا التشبيه المعجز كان لا يمكن لبشر حتى فترة قريبة أن يصدقه، حتى اكتشاف نظرية الكوانتم في بدايات القرن العشرين، فما بالك بأنه فى القرآن منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة، وهذا ليس له سوى معنى واحد، أن هذا التشبيه المعجز هو مباشرة من عند من خلق نظرية الكوانتم، هو كلام الله المنزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.