جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هل ستشعل أمريكا حرباً على إيران؟


كتب باتريك كوبيرن فى «الإندبندنت» فى 11 فبراير 2017 بعنوان «ترامب سيشعل حربًا مع إيران» وهو ما يخدم تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول كوبيرن إن ترامب مهتم بمطالعة كتب التاريخ ودراستها، أكثر من اهتمامه بالأحداث خلال العصر الحالى.

وربما يستلهم سياسات رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ونستون تشرشل عام 1940 وليس سياسته عام 1915 عندما كان مستشارًا للحكومة خلال معركة «غاليبولى» التى انتصر فيها الأتراك على بريطانيا وسط مذبحة مروعة.



يقول كوبيرن إن منطقة الشرق الأوسط تتسم بأنها ساحة قابلة للاشتعال أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم، وإن الأخطاء التى ترتكب خلالها ستكون كارثية ولا يمكن إصلاحها. ويضيف كوبيرن أن أغلب القادة الستة الذين فشلوا فى الشرق الأوسط كانوا يصغون لمستشارين ومعاونين سياسيين، أفضل ممن هم عند ترامب، وبالتالى يجب أن يحترس ويتصرف بحذر حتى لا يصبح سابعهم.

وأن هؤلاء القادة من بينهم ثلاثة بريطانيين وثلاثة أمريكيين أولهم تشرشل الذى أخطأ حساب الأتراك وتسبب فى مجزرة للأسطول البريطانى فى غاليبولى. والثانى لويد جورج الذى دمر حكومته عام 1922 بالتهديد بإشعال حرب مع تركيا. والثالث هو أنتونى إيدن الذى أغرق نفسه فى أزمة قناة السويس عام 1956. ويضيف كوبيرن أيضاً تونى بلير الذى لطخت سمعته بالتراب بسبب الحرب على العراق.

أما الأمريكيون الثلاثة فهم جيمى كارتر الذى كان سيئ الحظ فى أزمة الثورة الإيرانية، أثناء احتلال السفارة الأمريكية فى طهران عام 1979. ورونالد ريجان الذى فشل فى إدارة التدخل الأمريكى فى لبنان خلال الحرب الأهلية وقتل جراء ذلك 241 جندياً أمريكياً من البحرية عام 1983. إضافةً إلى فضيحة «إيران كونترا» التى قضت عليه سياسياً بشكل كامل. أما الرئيس بوش الابن فكان آخر سلسلة الإخفاقات والنهاية البائسة، حيث أسفر قراره غزو العراق عام 2003 عن إحياء تنظيم القاعدة الذى تمدد بعد ذلك، وتزايد أنصاره وتحول إلى سلسلة من التنظيمات الأشد تعقيدًا والأكثر قوة.

لقد صدم ترامب بعد فشله فى قرار منع تأشيرات الدخول، فهو الآن يستعد لسياسة أمنية جديدة، بعد فشل قراره التنفيذى الذى يعتبر رابع قرار أمريكى يفشل فى التطبيق. فالرئيس دونالد ترامب تعوّد على الفشل، حتى فى عمله التجارى. لكنه كان فى كل مرة ينهض ليكون أفضل مما كان، فهو معروف بعناده وإصراره، فهو لا يستسلم للهزيمة، لكنه لا يصر على العودة إلى نفس طريق الفشل كالسذج، بل يبحث عن طريق آخر للنجاح.

وفى أول فشل يواجهه ترامب، نجده يختط لنفسه طريقًا آخر للنجاح. هذا الطريق قد يكون العمل على إسقاط النظام فى إيران، إما بالحرب أو بالسلام وإما بالقصف الاستراتيجى كما حدث مع الصرب، أو بإنهاء نظام الملالى كما حدث فى العراق. فقد أكد فى خطاب له الجمعة 10 فبراير 2017 أنه يستعد لطرح سياسة أمنية جديدة.

ففى المؤتمر الصحفى مع الرئيس اليابانى، شنزوآى، أعلن أنه سيعمل على إجراءات جديدة لتوفير الأمن المطلوب للولايات المتحدة، لهذا نجده يتكلم مع أردوغان واتفقا على التحرك معًا فى الباب والرقة بسوريا، وبحثا معاً المنطقة الآمنة فى سوريا وأزمة اللاجئين، والولايات المتحدة وإسرائيل لا تستطيعان الهجوم على إيران دون التعاون مع تركيا وأذربيجان.

أكد الرئيس الأمريكى ترامب والتركى أردوغان تصميمهما على مواصلة الحرب ضد جميع أشكال الإرهاب بحسب ما صدر من بيان عن الرئاسة التركية يوم المحادثات، وعدم تقديم أمريكا المساعدات لحزب العمل الكردستانى «بى كاكا» وتنظيم «ب ى د و ى باك». وأكدا أنهما حليفان وصديقان دائمان. أما بيان البيت الأبيض فقد وصف العلاقات بينهما بـأنها وثيقة وطويلة الأمد.

وفى اليوم التالى وصل إلى تركيا مدير المخابرات الأمريكية مايك بومبيو الذى بحث خلالها مع المسئولين الأتراك عدداً من القضايا المتعلقة بينهما وعلى إثرها اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية من جانب آخر فى ريف حلب الشمالى. كل ذلك يؤكد أنهما اتفقا على مواصلة الحرب ضد «داعش».

وفى 13 فبراير 2017 قام الرئيس أردوغان بزيارة المملكة العربية السعودية، الدولة الفاعلة فى مكافحة الإرهاب ومحاربة داعش. لقد ارتعدت فرائص إيران، فقرر الرئيس الإيرانى زيارة الكويت وعُمان، توقعًا منه أن الولايات المتحدة ترغب فى تصفية داعش ثم تتجه بعدها إلى إيران.

وفى يوم الأربعاء 15/2/2017 انطلق الرئيس الإيرانى روحانى إلى سلطنة عمان والكويت سعياً وراء تقارب مع دول الخليج أو على الأقل تحييدها إذا ما حدث هجوم أمريكى، لكن دول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة لن ترضى عن إيران، إلا إذا توقفت عن تدخلها فى شئون الدول العربية، وانسحبت من العراق، وسوريا، وتوقفت عن دعم المتمردين فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، والمتمردين فى البحرين، فهل تقوم إيران بذلك؟.

لايزال صدى استقالة مستشار الأمن القومى مايكل فلين يتردد فى الأوساط السياسية، فهل حقاً لأنه اتصل بالروس وكتم بعض المعلومات؟، إلا أن القضية هى اختلاف فى وجهات النظر حول إيران، فالجنرال فلين يتفق مع ترامب على أن إيران راعية للإرهاب، وأنها قتلت آلاف الأمريكيين فى لبنان، وفى الخبر، وفى 11 سبتمبر.

فاختلافهما فى الأولويات، هو أن الجنرال فلين يرى أنه يجب البدء بقطع رأس الحية فى طهران، ومن ثم الحرب على الإرهاب، بينما يرى الرئيس ترامب أن القضاء على الإرهاب يجب أن يأتى أولًا ولعل هذا هو سبب الاستقالة.

فى يوم الأربعاء 15 فبراير 2017 انطلقت زيارتان مهمتان، سوف تحددان مستقبل الشرق الأوسط، زيارة الرئيس الإيرانى حسن روحانى إلى سلطنة عُمان والكويت، والأخرى زيارة نتنياهو إلى واشنطن. الأولى جاءت فى أعقاب التهديدات المتبادلة بين أمريكا وإيران والمرشد الأعلى للثورة على خامنئى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب.

فتهديد ترامب جاء فى أعقاب إطلاق إيران صاروخها الباليستى ورد المرشد على التهديد بالتهديد، وعلى الرغم من أن إيران تستخدم استراتيجية «القطة الخائفة» التى تكشر عن أنيابها إذا ما تعرضت للخطر وهى ترتجف خوفاً من الداخل، فإن هذه الاستراتيجية أعطت ثمارها أيام بوش وأوباما، لكنها لن تجدى نفعًا مع ترامب لأن طاقمه مؤيد له.

أما زيارة نتنياهو فتختلف عن زيارة روحانى، إذ إن نتنياهو وصل إلى واشنطن وهو يحمل فى حقيبته تقريراً كتبه له مدير عام خارجيته السابق، ورئيس مركز القدس الحالى للدراسات، الدكتور دور جولد، كتب موضحاً له تهديدات سبق أن أطلقتها إيران ضد إسرائيل وهددت تهديدات ثلاثة منها جاءت على لسان المرشد الأعلى على خامنئى وأربعة جاءت على لسان مساعديه.

لقد أصبحت إيران تهدد إسرائيل ودول الخليج وأمريكا استراتيجيًا، وبذلك استطاع نتنياهو أن يقنع الرئيس الأمريكى بالعمل على إسقاط النظام فى إيران، وخرج البيان يتطابق فى وجهات النظر بينهما، لكن المحادثات ظلت فى الكتمان.

أما روحانى فقد حاول جهده أن يبعث بالطمأنينة فى دول مجلس التعاون، لأنها الرئة التى تتنفس منها اقتصاديًا ويرغب فى أن يكون العداء معها عند سقف معين. لكن النتيجة من زيارة عمان والكويت لا تتجاوز التطمينات، فقد خرج روحانى ببيان قال فيه إنه تلقى رسائل غير مباشرة من دول الخليج، وإنه مؤمن بالرسائل غير المباشرة.

ما إن انتهت زيارة نتنياهو من واشنطن، حتى ارتفعت وتيرة المواجهة الإعلامية بين ما يسمى «حزب الله» وإسرائيل على خلفية التهديدات التى أطلقها أمين عام الحزب حسن نصر الله، وردت عليها إسرائيل. وهذا ما أعاد الأنظار إلى الجبهة الجنوبية التى عاد إليها الاستقرار منذ عام 2006.

لقد وسع كل من الطرفين بنك أهدافهما بما يظهر استعدادهما عمليًا لحرب مقبلة، مما يؤكد على أن إيران ترغب أن يكون الصدام بين إسرائيل وحزب الله ليكون الدمار فى لبنان، وليس فى إيران، كما كان فى السابق.

وصرح وزير الاستخبارات الإسرائيلية مهددًا: إذا أقدم حزب الله على قصف العمق الإسرائيلى، فإن إسرائيل سترد بضرب كل الأهداف المتاحة فى لبنان، وإن الأيام التى امتنعت فيها إسرائيل عن ضرب البنية التحتية فى لبنان قد ولت.

منذ سنتين هددت إسرائيل بأنها سوف تعيد لبنان مائة عام إلى الوراء، والتقيت بعدها برئيس مركز للدراسات الاستراتيجية الإسرائيلى فى روما فى أحد الاجتماعات وكان يشغل من قبل مساعدًا لرئيس الاستخبارات، فسألته، لو أن إسرائيل قصفت إيران هل سيتدخل حزب الله؟، قال نعم، قلت لو أن إسرائيل قصفت لبنان وحزب الله فهل ستتدخل إيران؟، قال لا، قلت هل أنتم جادون بإعادة لبنان مائة عام إلى الوراء؟ قال نعم، قلت له إن لى صديقاً فى لبنان فهل أسدى له النصح بالعودة إلى السعودية؟ قال نعم.

إن الموقف يؤكد أن الحرب سوف تبدأ بلبنان، وأن الضحية هو الشعب اللبنانى، لكن إيران لن تنجو هذه المرة من الهجوم، لأن فرص المناورات قد انتهت، فقد قيل بأنك تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، وتخدع كل الناس بعض الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.