جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مصر وصبيان المراهقة السياسية


«هل ظلمنا الرئيس عبدالفتاح السيسى؟».. كان هذا التساؤل عنوان مقال كتبه الكاتب العراقى، أسعد البصرى، قبل أيام، على موقع إخبارى شهير، تناول فيه الموقف المصرى من الإرهاب، والجماعات المتطرفة والتكفيرية والمتشددة، واعتبر فى المحصلة الرئيس السيسى على حق فى موقفه الصارم، فى دعم «الجيوش النظامية» والدول فى المحنة التى نعيشها تحت اسم «الربيع العربى» لأن ما يجرى مخيف حقاً!

الكاتب العراقى أعاد الأذهان للجدل الذى أثاره ذلك التصريح وقتها، والذى رأت فيه الأذرع الإعلامية للكيانات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، اعترافاً مباشراً بدعم ما يسمونه «جيش بشار» مع أنه جيش الدولة السورية، وانطلقت الفضائيات إياها ـ ومنها الجزيرة بالطبع ـ للنيل والإساءة، متناسية أن دولة مقرها التى تنفق عليها الملايين، هى من تدعم ميليشيات القتل، كجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية.

ولعل كل من عارض مصر ـ على لسان رئيسها ـ ورؤيتها فى الحل السياسى للأزمات بالمنطقة العربية، وعلى رأسها الأزمة السورية، تأكدوا الآن، عندما رأوا خليفتهم فى تركيا يهرع وينبطح أمام الإدارة الروسية، ويسلم لها كل المفاتيح، متنازلاً عن كل خيالات واستعراضات الذاكرة العثمانية القديمة.. التى أنعشتها بدايات «الربيع العربى»، وجددت شهوته فى العودة للبدايات التاريخية.

ربما كانت تركيا الأردوغانية تمثل حالة الانتهازية الفريدة فى السياسة الشرق أوسطية، بينما رئيسها يواصل الحديث عن «الانقلاب» فى مصر، ويتحدث عن «شرعية» محمد مرسى، فى حالة عداء شرسة، تحول هذا العداء فى سوريا إلى مشروع سياسى رسمى، اتضحت فيه الأهداف والنوايا، ما يعنى أن تركيا/ أردوغان لا تريد سوى حصتها من الغنائم، إذ لم يعد إسقاط الأسد أولوية يتم التقاتل عليها، فبعد أن فتحت تركيا معسكراتها وحدودها، أمام طوفان «الجهاديين» باسم نصرة الإسلام، تحول بعدها هؤلاء الجهاديون إلى خناجر مسمومة تضرب فى العمق التركى، وهو ما وضع أردوغان فى مأزق الارتطام فى الداخل والخارج.. خاصة أن النار التى أشعلها تمتد لذات الثوب الذى يلبسه، وأن الثعابين التى طالما رعاها وسهل حركتها، بدأت فى لدغه بشكل مباشر ويكاد يكون متكرراً عبر الكثير من الحوادث الإرهابية والتفجيرات المختلفة.

ربما تكون معركة حلب، وتحريرها واستعادة الجيش السورى لها، هى التى كسرت موجات التغلغل التركى العسكرى والسياسى فى سوريا، خاصة أنه تم التأكد من وجود ثغرة هائلة، بين أوهام الأمر الواقع، وبين دلالات الواقع المتغير فعلاً.. فالنتائج جاءت عكس توقعات أردوغان: تراجع اقتصادى، وهبوط سعر الليرة، وانتشار أعمال القتل والإرهاب، وضرب السياحة.. لذا كان لابدَّ من الاعتراف بالفشل فى سياسة «صفر مشاكل» وعدم القدرة على مواصلة اللعب على الحبل السياسى الداخلى والإقليمى والدولى فى وقت واحد، لذا أنهى خلافاته مع «الأشقاء» الإسرائيليين، وطبّع علاقاته مع موسكو وتحول إلى حليف، وأظهر حسن النوايا لطهران، لحجز مقعده حول طاولة المفاوضات الجديدة.

إذا كان أردوغان، وهو السلطان «المفدى» والخليفة المنتظر، وإمام جماعة الإخوان وأتباعهم، قد تخلى عن كل شىء، فما الذى تنتظره بعض العواصم العربية، التى لا تزال تتشدق فضائياتها بالانقلاب، أو تلك التى استوعبت مؤخراً الحل السياسى بعد أن تورطت مالياً وعسكريًا فى دعم قوى إرهابية؟
أتمنى أن تصل الرسالة، ونبتعد عن المراهقة السياسية التى لا تزال تحكم عقول بعض الصغار.. أو كما قال الكاتب العراقى مخاطباً القادة العرب، أن يسمعوا الرئيس السيسى جيداً وبحق!