"حرب قانونية" بين أمريكا والسعودية.. قانون "جاستا" الكارثي يُحطم "فيتو" أوباما.. واشنطن تفتح على نفسها "أبواب جهنم".. وخبراء: "ثلاث مفاجأت خطيرة تنتظرها"
أوشكت أمريكا والسعودية على الدخول في حرب قانونية، تدفع قاطرة العلاقات بينهم للانحراف على المستويات كافة؛ بسبب قانون "جاستا" المُثير للجدل، والذي لم يصمد أمامه "فيتو" الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعدما رفض الكونجرس الأمريكي اعتراض الأخير وأقر القانون، أمس الأربعاء.
"جاستا ليس وليد اللحظة"
قانون تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب المعروف بقانون "جاستا"، الذي أضحى حديث الساعة في واشنطن والرياض، يجيز لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر مقاضاة الدول التي تورط رعاياها في عمليات إرهابية، ولكن فكرة المشروع ليست وليدة للحظة وتعود إلى عام 2004.
في ذلك العام قامت الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة الرئيس السابق جورج بوش، بعد الهجمة الإرهابية بحجب نحو 28 صفحة من تقرير لجنة الكونجرس، التي تشكلت للتحقيق في الأحداث، والمكون من 567 صفحة، وتحويل الصفحات الـ28 لقانون سرية الوثائق الحكومية.
ضعف القدرة على جمع معلومات استخباراتية عن المشتبه بتورطهم في عمليات إرهابية، هي الحجة التي تذرعت بها أمريكا لإخفاء مضمون الـ28 صفحة، وآثار هذا الأمر موجة من الشائعات والتساؤلات والمطالبات حول إزالة السرية عنهم.
"إدارة أوباما"
ولكن جاءت إدارة أوباما وسارت على نفس المنهج، وظهرت شبهات حول ارتباط عدد من الدول من بينها السعودية بالأحداث، ما دفع السيناتور الديموقراطي "جاك شومر" والسيناتور الجمهوري "جون كورنين" للتقدم بمشروع قانون "جاستا".
"28 صفحة"
ورغم أن مشروع القانون لم يرد فيه اسم السعودية، وكل التقارير أثبتت عدم تورط المملكة في أحداث سبتمبر، إلا أن اللغط دار حول الـ28 صفحة المحجوبة التي قيل أن فيها ما يدين السعودية وارتباطها بالأحداث.
ومنذ صدور تقرير اللجنة في 2004، تطالب السعودية بنشر هذه الصفحات الـ 28 السرية من تقرير التحقيقات حول هجمات 11 سبتمبر، ولم تكن تخشى ما فيها كما صرح بذلك عدة مرات الأمير سعود الفيصل.
ومرر هذا المشروع مطلع الشهر الجاري على مجلس الشيوخ وأخذ الموافقة عليه بالإجماع، وتم رفعه إلى الرئيس أوباما للمصداقة عليه، إلا أن الإدارة الأمريكية أعلنت رفضها له، واستخدم الأمريكي حق "الفيتو" ضده؛ بدعوى أنه يخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية، حتى صوت بالأمس الكونجرس على رفض فيتو الرئيس الأمريكي.
"سيناريوهات القانون"
وبعد إقرار واشنطن للقانون، بات التساؤل الذي يفرض نفسه هو كيفية تطبيقه على المملكة؟ لاسيما أنها دولة ذات سيادة لا يمكن محاكمتها في محاكم أجنبية، وهو ما فسره خبراء القانون الدولي في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، محددين ثلاث مفاجأت تنتظر أمريكا بعد القانون.
"تعد صارخ"
الدكتور محمد عطا الله، أستاذ القانون الدولي، أوضح أن إقرار القانون يعتبر تعدي صارخ للسيادة على الدول التي قيل أنها متورطة في الحدث ومن بينها السعودية، مشيرًا إلى أن تلك السيادة تكفل للدولة حقها في الاعتراض على قيام القضاء الأجنبي لدولة اخرى بالنظر في أية قضية ترفع ضدها خارج أراضيها.
ولفت إلى أن مبدأ الحصانة السيادية لتنظيم العلاقات بين الدول نص عليه القانون الدولي ولا يمكن لأمريكا مخالفته، فإن إقرار المشروع يعد مخالفة أمريكية كبرى، يؤسس لسابقة خطيرة في العلاقات الدولية.
وأوضح أنه لا يمكن فرض القانون على السعودية أو تطبيق أي تعويضات عليها سوى بإقرار محكمة دولية، حتى تستطيع الدفاع عن نفسها، ومن الطبيعي أن التعويض لا يتم إلا من خلال حكم قضائي، والقضاء الامريكي ليس من حقه محاكمة السعودية.
واختتم بإن مشروع القانون في حالة إقراره سوف يؤدي الى هروب رؤوس الأموال الأجنبية من السوق الامريكي خشية من الابتزاز وتعرضها للتجميد بأوامر قضائية من محاكم أمريكية، لتكون تعويضات لضحايا الأحداث وهو ما يؤثر على الاقتصاد الأمريكي.
"محاكمة أمريكا"
أما الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، فيقول أن هذا القانون فتح أبواب جهنم على الإدارة الأمريكية، التي لم تحسب تبعاته جيدًا، لاسيما أن السعودية حليف استراتيجي قوي لأمريكا في الشرق الأوسط، وتأثيرات القرار لن تكون سياسية أو قانونية فقط ولكن على الصعيد الاقتصادي أيضًا.
وأشار إلى أن ضحايا الحادث يمكنهم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للحصول على تعويضات مالية، كما أن الحكومة الأمريكية من الممكن أن تحل محل أهالي الضحايا وتمثيلهم أمام المحكمة، فقد يصعب على الأفراد إتخاذ تلك الاجراءات الدولية.
ويضيف: "كما أن القانون يشوبه عوار جسيم، لأنه يحمل السعودية مسؤولية مدنية لاشتراك رعاياها في تنفيذ أحداث 11 سبتمبر، في الوقت الذي لم تكن فيه السعودية شريكًا في التحقيقات التي سبقت إقرار القانون، أو إعداد الأدلة أو الاطلاع بشكل رسمي على الـ28 صفحة الخاصة به، ولم تسطتع الدفاع عن نفسها، فلا يمكن توجيه جريمة إليها لم تعلم عنها شيء".
وتوجه إلى طرح خطير بإن أمريكا ستخضع إلى نفس المعايير، ومن حق دول العام سن قوانين مماثلة لمحاكمة واشنطن على جرائمها في المحاكم الأجنبية، فمن حق العراقيين والأفغان واليابان محاكمتها على ما فعلته عام 2011، وهو ما يؤسس فوضى قانونية في العلاقات الدولية.