جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حرب كيماوية على أعتاب العراق.. تحذيرات خطيرة من استخدام "داعش" للأسلحة السامة في معركة ‏تحرير الموصل.. وخبراء: "تقلب موازين القوى وتخلف كارثة إنسانية"

جريدة الدستور

أوشكت طبول الحرب في العراق أن تقرع مُعلنة بدء عملية تحرير مدينة الموصل على يد الحكومة ‏العراقية وقوات "البيشمركة" من ‏‎ ‎سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، وسط تخوفات عدة من استخدام ‏الأخيرة للأسلحة الكيماوية السامة في تلك المعركة الطاحنة التي تبدأ في 19 أكتوبر المُقبل.‏

‏"البنتاجون يُحذر" ‏
التحذير تلك المرة جاء من قبل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، عقب إعلان القوات العراقية نيتها في ‏تحرير الموصل قريبًا، حيث أعربت عن تخوفها من استخدام التنظيم للأسلحة في المعركة، لاسيما أنه ‏سبق لـ"داعش" استخدامه في معارك سابقة رغم الإعلان الدائم عن أن قوات التحالف الدولي تنسف كل ‏فترة مصانع للأسلحة الكيماوية التي تتبع التنظيم.‏

‏"خطورة التحذيرات"‏
ما يزيد خطورة تحذيرات البنتاجون، الهجوم الذي وقع قبل أيام قليلة من خلال صواريخ عدة استهدفت قاعدة ‏أمريكية في مدينة القيارة قرب الموصل، ورغم أن الصواريخ لم تصب هدفها بدقة إلا إنه الهجوم كان الأول ‏من نوعه على قوات أمريكية منذ الحرب العالمية الأولى‎.‎

وحين أجريت اختبارات على مادة زيتية سوداء تشبه "القطران" كان يحملها أحد الصواريخ، أظهرت أدلة ‏على وجود غاز الخردل الذي يُستخدم في تصينع الأسلحة الكيماوية، وهو ما يؤكد أن داعش تنوي بالفعل ‏تحويلها إلى حرب كيماوية وما تفعله بمثابة تجربة للمعركة.‏

وفي مايو الماضي، نقلت صحيفة التليغراف، عن مصادر محلية لها في مدينة الموصل بمحافظة الأنبار ‏العراقية، إن تنظيم داعش الإرهابي يختبر غاز الخردل والكلور على رهائنه في سجون سرية، ونقل ‏مصانع الأسلحة الكيماوية ومقرات عملياته إلى المناطق السكنية، لتفادي الضربات الجوية للتحالف الدولي.‏

‏"الأسلحة الكيماوية"‏
بداية.. تُعرف لأسلحة الكيماوية بإنها مواد لديها خصائص فيزيائية تستعمل عسكريًا للأذى الجسيم أو الإعاقة، من ‏أجل تدمير أو تحجيم نشاط مجموعات بشرية معينة لأنها تؤثر فقط على الكائنات الحية، وهو ما دفعها ‏للاندراج تحت قائمة أسلحة الدمار الشامل.‏

ويُعتبر غاز الخردل، عنصر كيميائي سائل يصدر بخارا خطيرًا، يستخدم في الأسلحة الكيماوية، ويسبب ‏حروقًا وتقرحًا في الجلد، ويؤذي الجهاز التنفسي عند تنشقه، ويسبب التقيؤ والإسهال عند ابتلاعه، ويلحق ‏أضرارًا بالأعين والأغشية المخاطية، والرئتين والجلد والأعضاء التي يتولد فيها الدم وممكن أن يؤدي ‏للوفاة.‏

‏"داعش والكيماوي"‏
سعي داعش وراء الكيماوي بدأ منذ سيطرتها على سوريا والعراق ودخولها في حرب ضد التحالف الدولي، فقد لهثت طوال السنوات الماضية من ‏أجل امتلاك الكثير منها، عبر السيطرة على مواد مخبرية من مستشفيات ومختبرات، وجمع المواد المشعة ‏من المستشفيات والمؤسسات البحثية في المدن العراقية والسورية‎.‎

وبذل التنظيم خلال الفترة الأخيرة جهودًا أكثر لتطوير الأسلحة الكيميائية بالحصول على مادة "الكلورين" ‏الداخلة في تصنيعه، وتجنيده خبراء فنيين مدربين تدريبًا عاليًا من كل أنحاء العام، وامتلاكه عشرات آلاف ‏من المجندين ذوي الخبرات الفنية.

‏"كفة داعش"‏
وبات السؤال الذي يطرح نفسه الىن بعد التأكيد على امتلاح داعش للكيماوي، "هل اتُرجح الأسلحة السامة كفة داعش في معركة الموصل؟"، هو ما كشف ‏عنه خبراء عسكريون على دراية بأمور الجماعات المتطرفة، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، ‏مؤكدين أن الأسلحة الكيميائية تأتي في خطورتها بعد الأسلحة النووية مباشرة، وتعتبر دومًا عامل قوة لمن يستخدمها في الحروب.

‏"كارثة إنسانية"‏
يقول اللواء نبيل فؤاد، الخبير العسكري، أن الأسلحة الكيماوية تنطوي على خطورة قوية، يتم رصدها ‏حسب نوعياتها والزيوت المستخدمة فيها، مشيرًا إلى أنها أكثر خطورة من الأسلحة العادية؛ لأن الأخيرة ‏تقتل أو تؤدي إلى إصابات يمكن معالجتها مع الزمن، إما الأولى فهي تعتمد على الآذى الجسدي وشل ‏الأجهزة العصبية لدى العدو، وهو ما لا يمكن معالجته بعد ذلك.‏

وأشار إلى أن استخدام الأسلحة الكيماوية في الأماكن الضيقة يزيد من فاعليتها بشكل أكبر، وتعادل قوة ‏الأسلحة النووية إذا استخدمت في أماكن ضيق، واستهدفت مجموعة بشرية كبيرة تؤدي إلى كوارث، وهو ‏الحال الذي ينطبق على الموصل التي بها نحو مليون مدني. ‏

ولفت إلى أن خطورتها دفعت القانون الدولي إلى حظر استخدامها مثل النووي، إلا أنها ظلت موجودة في ‏كثير من دول العالم، وتمتلك روسيا أكبر مخزون استراتيجي منها، كذلك فإن بعض دول الشرق الأوسط ‏تمتلكها، أما داعش فمن الممكن أن يكون وصل إليها من خلال بعض الدول التي تدعمه.

ويضيف: "داعش لا يعترف بالمنظمات الدولية ولن يتوان في استخدام الأسلحة الكيماوية من غاز الخردل ‏والكلور السام، بهدف بث الرعب في قلوب رواد المعركة، وقد يلجأ إلى استخدام غاز الأعصاب الذي من ‏السهل الاستيلاء عليه من مستوعادت الحكومة السورية ويستخدمها في العراق".‏

‏"تقلب موازين القوى"‏
أما هشام النجار، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، يرى أن داعش يمتلك بالفعل مخزون قوي من ‏الأسلحة الكيمائية، يبلغ بحسب التقديرات العالمية 150 طنًا من مصادرة عدة مختلفة، قد تكون من بعض ‏الدول التي تدعمه، أو تكون من خلال تصنيعه الخاص لاسيما ان التنظيم يضم أعضاء ذوي خبرات فنية ‏كبيرة.‏

ولفت إلى أن داعش سبق واستخدام غازات الكلور والخردل في حروب داخل العراق وسوريا بنحو 20 ‏مرة وقتل به المئات، وفي الغوطة وحلب خاصة عام 2013، موضحًا أنها عامل قوة لصالح داعش، ‏واستخدامه في معركة الموصل المرتقبة يقلب موازين القوى ناحيته، وتجعل المعركة أكثر دمويًا مما هو ‏متوقع. ‏

ويشير إلى أن هناك إحتمالات من وجود تسليح جيد للقوات العراقية، ومن الممكن أن تكون مدربة على ‏مواجهة هذا النوع من الأسلحة، إلا أنه في كل الأحوال فاستخدام أي سلاح كيماوي سيكون بمثابة كارثة ‏على المدنيين بسبب آثاره المميتة.‏