مجلس النواب "معارضة بلا أنياب".. الأحزاب مُصابة بـ"الدوار السياسي".. وتكتل 25- 30 "التيار المعاكس".. وخبراء: "التضييق والمال السياسي يقصفان جبهة المعارضة"
تشكل مجلس النواب الحالي بعد ثورتين هما الأقوى في التاريخ المصري، حمل فيهما الثوار لواء التمرد والمعارضة بالميادين، وأسقطت نظامين من أعتى أنظمة الحكم، وعُرف عن المصري منذ ذلك التاريخ بأنه لن يهاب الظلم ثانية، وستكون المعارضة هي لسان حال الشعب ومؤسساته، إلا أن تلك الأحلام جميعها تحطمت على صخرة البرلمان.
ورغم تسلل عدد لا بأس به من فصائل المعارضة إلى قبة البرلمان، إلا أن صوتها لايزال غير مسموعًا، بسبب طغيان الأغلبية المؤيدة للرئيس والحكومة عليه، واحتلالها للقاعدة الأكبر في المجلس، حتى فُقدت جميع الآمال في أن تصبح لدى مصر معارضة حقيقية قادرة على الانتقاد ووضع الحلول، فكان البرلمان هو آخر الآمال في هذا الشأن.
وحتى الآن لم يظهر داخل المجلس تكتلات أو أحزاب نستطيع وصفها بالمعارضة الحقيقية، سوى بعض المحاولات المنفردة مثل تكتل 25-30، الذي حمل بشكل أو بآخر لواء المعارضة أسفل القبة، ويلاقي في الوقت ذاته محاولات للتضييق باتهامه بالخيانة وتحويل نوابه إلى لجان القيم، إلى جانب بعض المحاولات المنفردة من النواب أمثال النائبين كمال أحمد، ومحمد أنور السادات.
"تكتل 25-30"
يُمثل تكتل "25 – 30" صوت المعارضة المنخفض تحت القبة، حيث يضم 4 نواب عن الحزب المصري الديمقراطي، بالإضافة إلى نائب حزب التجمع عبدالحميد كمال، وعددا من النواب المستقلين أبرزهم: "خالد يوسف، ويوسف القعيد، وضياء داوود".
التكتل لم يؤثر على القرارات السياسية بشكل فعال، ولا يمتلك قاعدة قوية في المجلس، ورغم ذلك فقد خاض معارك تُحسب له، حيث كان الجهة الوحيدة التي رفضت برنامج حكومة المهندس شريف إسماعيل وبيانه، في الوقت الذي مرره البرلمان بموافقة بلغت نحو 91%.
وفي الوقت الذي صفق فيه النواب لوزارة الداخلية بعد اقتحامها نقابة الصحفيين، أدان التكتل الواقعة، وأحاط وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار بطلبات الإحاطة والاستجوابات، كما انتقد سياسات الحكومة المالية على أثر أزمة الدولار الأخيرة.
وصوت على رفض مشروع الموازنة العامة للدولة، ورفض تمرير نسبة العلاوة السنوية 7% بقانون الخدمة المدنية، حيث كان يطالب بأن تكون 10%، ودخل بسببها في معركة ضارية مع ائتلاف دعم مصر.
ووجه اتهامات لرئيس البرلمان الدكتور علي عبدالعال فى بيان أصدره، قال فيه: "هناك عقبات موضوعة تعوق أداء دورنا الذي عاهدنا الشعب بأدائه، ونعتقد أنه يشاركنا في هذه الملحوظات عدد غير قليل من نواب البرلمان المصرى، فقد لاحظنا أن قاعة المجلس تحت قيادتك لا تعطى فيها الفرصة للتعبير عن الآراء المختلفة فى كل الموضوعات، فتارة يمنح الفرصة وتارة يمنعها".
"ما معنى المعارضة؟"
بدايةً.. تُعرف المعارضة في أدبيات السياسة بمفهومها العام، بأنها قوى أو أحزاب أوجماعات سياسية تمتلك برنامجًا مُحددًا يهدف بالأساس إلى معارضة السلطة الحاكمة، وتمتلك الأدوات التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف، بالوصول إلى تشريع أو حل لإحدى القضايا الشائكة، ليحدث نوعًا من التوازن بين سلطات ومؤسسات الدولة.
أما المعارضة البرلمانية، فهي مرتبطة بالنظام الحزبي (البرلماني)، وتعتبر شكل من أشكال الانتقاد السياسي للسلطة التنفيذية سواء الحكومة أو الرئيس، لامتلاكها سلاح التشريع والإقرار الذي يضمن بطانة جيدة لأي اعتراض توجهه لمؤسسات الدولة.
"الحالة المصرية"
وبتطبيق تلك المواصفات على الحياه السياسية في مصر، نجد أنه تاريخيًا لم تعرف مصر في تاريخها السياسي معارضة بالمعنى المعروف سوى في بدايات القرن العشرين أو ما يعرف في مصر بالعهد الليبرالي، حيث شكلت المعارضة السياسية آنذاك قوة حقيقية.
ومع ثورة 23 يوليو 1952، بدأت تخف حدة تلك المعارضة، لاسيما بعدما ألغيت الأحزاب والنقابات وكل ما يشكل تجمعًا سياسيًا، الأمر الذي حد من إمكانية معارضة نظام الحكم، وكانت تلك المرحلة بداية لسياسة مرحلة الحزب الواحد، التي عرفتها مصر طوال الفترة الماضية.
وخرجت أول تجربة حزبية من رحم نظام السلطة في فترة السبعينات، على يد الرئيس محمد أنور السادات الذي أنشأ الحزب الوطني برئاسته وتولاه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من بعده، مما أدخل الأحزاب في حالة من الجمود.
وتشير الكثير من الأبحاث النفسية، إلى أن المصري لديه ميل فطري نحو احترام القانون والسلطة وسيادتهما، لاسيما أنه خلال فترتي الستينات والسبعينات، كانت الأصوات المعارضة تتهم بعدم الولاء الوطني والعمالة للخارج.
"الأحزاب السياسية"
وعلى صعيد الأحزاب السياسية، فتمتلك مصر نحو 15 حزبًا، نشأ 4 منهم على أساس المعارضة وهم : "الوفد، التجمع، الأحرار، الناصري"، إلا أنها وفقًا لمراقبين مصابة بدوار سياسي وجمود على مستوى الفكر والآلية.
وحصدت تلك الأحزاب عددا لا بأس به من مقاعد المجلس، فحصد حزب المصريين الأحرار نحو 65 مقعدًا، وجاء من بعده الوفد بنحو 45 مقعدًا، والتجمع والحزب الناصري بمقعد واحد، لكنها وقعت في مأزق مزدوج، ما بين جمودها الفكري وضعف مصداقيتها في الشارع المصري وفقًا لمراقبون.
"مجلس النواب"
ورغم أن البرلمان الحالي يعد أول تجربة نيابية حقيقية بعد ثورة 25 يناير، وأحد أدوات المعارضة السياسية في فرض رؤيتها على السلطة التنفيذية، إلا أن المعارضة داخل المجلس وصفت بأنها بدون أنياب، لثلاثة أسباب رئيسية وهي: "جمود الأحزاب، المال السياسي، التضييق الأمني"، وفقًا لرؤية خبراء الشأن السياسي في تصرحيات خاصة لـ"الدستور".
"البرلمان يحمل أختاما"
يرى الدكتور، مختار غباشي، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن عدم وجود معارضة حقيقة في البرلمان يرجع إلى عدم وجود رؤية محددة تستطيع الأحزاب طرحها بشأن الأزمات الحالية، لتكون بديل مقنع أمام السلطة التنفيذية، أو يتعاطى مع الرأي العام بشكل أفضل من سياسات الحكومة.
وأضافت أن البرلمان الحالي أشبه بمن يحمل أختاما لتمرير كل ما يُلقى له دون رفض أو انتقاد، ولا يحمل آليات المراقبة التي تؤهله ليكون أداة للمعارضة والتعاطي مع الحكومة، مشيرًا إلى أنه حتى الآن لم يقدم استجواب واحد للوزراء في قضية تلقى تقدير الرأي العام ويتابعها، وكل طلبات الإحاطة والاستجوابات المُقدمة صورية فقط.
وأشار إلى أن المعارضة اقتصرت على بعض الشخصيات الموجودة في تكتل 25-30 فقط، والتي تمارس عليها أشكال التضيق كافة، وهو صوت وحيد لا يكفي، في الوقت الذي يعج فيه البرلمان بالأحزاب المستأنسة والأليفة المُصابة بالجمود والدوار السياسي، بوقفها جانب السلطة التنفيذية دائمًا.
"المال السياسي"
أما الدكتور حسن نافعة، فأوضح أن غياب المعارضة الحقيقية في البرلمان، ترجع إلى طريقة العملية الانتخابية من البداية، والتي تدخلت فيها عوامل عدة، منها قانون الانتخابات وتدخلات الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال والمال السياسي الذي لعب دور قوي في اختيار القوائم وأغلبيتها.
ولفت في دراسة له بعنوان: "الانتخابات البرلمانية في مصر ومستقبل النظام السياسي"، إلى أن محاولات السيطرة على الانتخابات بوسائل أخرى غير التزوير المباشر، هو من أدت إلى تلاقي مصالح رجال الأعمال وأجهزة الأمن داخل قبة البرلمان.
وأوضح أن الأغلبية الساحقة انتقتها أجهزة الدولة بشكل جيد، ليطغى صوتها على كل صوت معارض أسفل القبة، لافتًا إلى أن نحو 50 إلى 100 عضو داخل البرلمان الحالي من الممكن أن يشكلوا معارضة في المستقبل، تشبه تكتل 25- 30، ولن يكون هناك معارضة أكثر من ذلك.
"أغلبية حب مصر"
وأرجع الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية، عدم وجود المعارضة إلى نواب قائمة في حب مصر، قائلًا: "هي الجهة الأقوى داخل البرلمان، واستطاعت اكتساح مقاعده بسبب دعمها من جهاز الدولة وسلطة الحكم، بحيث لا تسمح لأحد بالمعارضة كما أنها تمتلك سلاح الأغلبية الذي يؤهلها لتكون ظهير سياسي للسلطة التنفيذية".
ولفت إلى أن مجلس النواب تحول إلى برلمان موافقون، لا يَنقد ولا يُنتقد، وبات أشبه بمؤسسة تكمم أفواه المعترضين على القوانين داخلها لصالح الحكومة، موضحًا أن الدور الرئيسي للبرلمان هو المعارضة وتقبل الانتقاد، وتنبيه الحكومة إلى أخطائها وليس تأييدها.