جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مولانا


فى بدايات حياتى فى وزارة الأوقاف. عملت إماما وخطيباً لمسجد الشيخ عبيد بمدينة نبروه وهو من أكبر مساجد المدينة فى ذلك الوقت. وللمسجد مكانة فى قلوب أبناء المدينة فقد عمل فية الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوى إمام الدعاة، والشيخ العلامة الزاهد الراحل عبد السلام أبو الفضل أحد أعلام مدينة المحلة الكبرى. إضافة إلى كوكبة من العلماء الذين صعدوا منبره على مر الزمان. وفى المسجد الشهير تعلمت كيف يكون الداعية إلى الله قدوة ونموذجا يحتذى به وكان من حسن حظى أن التقيت الوالد الكريم الراحل الحاج سيد أبو ميرة وهو من تجار المدينة وأفقهم دراية بأمور الدين والدنيا. تعلمت منه أن الدعوة إلى الله رسالة لا وظيفة وأن الجزاء الأوفى يكون من الله الذى لا تضيع عنده الودائع. تعلمت أن أعطى بلا انتظار وأن آثر بلا طمع بما فى أيدى الآخرين. وأن أترك حمولى على الله. وأن أكون عفوياً فى كل تصرفاتى.وأن اجتهد فى إرضاء خالقى. تعلمت منه البساطة فى المشى وفى المأكل والمشرب. وأن القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود. وأن الأرزاق بيد الله وحده وأن أحترم الصغير والكبير. معانى كثيرة تعلمتها من الرجل الذى كان قبلة للحيارى والمحتاجين ومن عضهم الدهر بنابه. ولولا مشقة السفر من قريتى إلى المدينة لتمنيت المكث فى مسجدى لسنوات عديدة. المهم أننى بعد عمل استمر أكثر من عامين طلبت نقلى إلى قريتى حيث أسكن ولم يدر بخلدى أن العمل وسط الأهل يمكن أن يجر عليك الويلات وكان لابد من عبور كل المطبات وليس أمامك إلا تحمل زيادة الأعباء وثقل الأحمال. خضت التجربة الجديدة على نفسى إلا أنها كانت فريدة ومثمرة. وفى مسجد القرية القديم أو الكبير كان من حسن حظى أن التقيت الراحل الشيخ ذاكر يوسف عبد الحميد وهو من الرعيل الأول لحفظة كتاب الله، وإضافة إلى ذلك خادماً للمسجد وفى أوقات فراغه كان صياداً للسمك. وكان يحلو له الاصطياد بعد صلاة الفجر وحتى الشروق. وكان كثير العيال وللراحل الكريم معى مواقف نبيلة لا يمكن حصرها وإن كان عنوانها الأبرز الإخلاص والإيثار. ومع أنه كان وسيط الحال إلا أنه كان كريماً، فمن يديه تحتسى كوباً من الشاى قل أن تجد له مثيلاً. وقد كان يختصنى بتناول الأسماك التى يأتى بها من البحر. ومن فضائله أنه سمح لى بقيادة مركب الصيد الذى كان زاداً له فى هوايته. مرة بعد أخرى حتى أصبحت قائداً ماهراً بشهادة الجميع. وكم من المرات كنت انفرد بقيادته والتحرك به ذهاباً وإياباً لمسافة تزيد على الكيلو متر لاسيما فى شهر رمضان المبارك. وتحديداً قبل الإفطار. رحم الله مولانا الذى غادرنا إلى العالم الآخر منذ سنوات إلا أننى أبداً لا أنسى له مواقفه وكرمه، وأنه كان خادماً مخلصاً لبيوت الله عز وجل. وهى صفات نفتقدها فى كثير ممن يعملون فى المساجد من الخدم.