جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أهمية السائح المصرى


النشاط السياحى فى كل بلدان العالم المتحضرة، يعد من أبرز الأنشطة التى تعتمد عليها التدفقات النقدية الداخلة لتدعيم الاقتصاد القومى، والاعتماد عليها فى اعتدال ميزان المدفوعات، ولتوفير قدر ـ ولو يسير ـ من الرفاهية للأعداد البشرية الهائلة من السكان، وهذا ليس نوعًا من الفانتازيا لمجرد الترفيه ولكنها لإعادة تجديد الطاقة والنشاط للعناصر البشرية المنتجة فى المجتمع, فالفرد الذى يعمل طيلة الأسبوع أو السنة، عليه أن يتوقف لفترة لالتقاط الأنفاس وتجديد خلاياه الجسدية والروحية لينطلق بكل الحيوية من جديد، وليس فى هذا بدعة أو دعوة الى التكاسل والدعة...

... فالمولى سبحانه وتعالى أرشدنا إلى ضرورة الحصول على قسط من الراحة حين قال: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ. يُدَبِّرُ الْأَمْرَ. مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ. ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ. أَفَلَا تَذَكَّرُونَ» سورة يونس «3»، وهذا الاستواء على العرش يعنى الراحة فى اليوم السابع، وهو القادرـ سبحانه ـ على أن يخلق كل العوالم فى لمحة من البصر، ولكن المولى عز وجل أخبرنا بهذا لنأخذ العبرة والعظة لنتعلم معنى الراحة التى يجب أن نحصل عليها بعد معاناة وتعب فى رحلة الحياة.

من هذا المنطلق.. فإننا نهيب بمؤسساتنا القومية ووزاراتنا السيادية، ومنظمات المجتمع المدنى، سرعة وضع البرامج التفصيلية غير باهظة التكاليف للسياحة الدينية والثقافية والأثرية داخل حدود الوطن، لتكون هذه البرامج فى متناول جميع الفئات بصرف النظرعن قدراتهم المالية، لأن الهدف الأساسى ليس الكسب والتربُّح، ولكن لمنح المزيد من فرص الثقافة والراحة لأكبرعدد ممكن من جيوش «الشغِّيلة» الذين يديرون باقتدار عجلة الإنتاج الذى يصب فى مصلحة الاقتصاد القومى، ويشتاقون للحظات المتعة والراحة بعد عناء العمل المتواصل فى شتى الميادين، مع زيادة الجرعة الثقافية والمعلوماتية لكل فرد من أفراد المجتمع على اختلاف المراحل العمرية، فيجب التشجيع على زيارة المتاحف القومية التى تغرس فى نفوس العيدان الخضراء من شبابنا معنى الإنتماء لتاريخ الأجداد وحضاراتهم التى علَّمت العالم معانى الإنسانية منذ فجر التاريخ. ويجب أن نعمل على الاستغلال الأمثل لفترة الإجازة الصيفية لطلاب المدارس والجامعات، خاصة وهى غالبًا تواكب فترات الأعياد والمناسبات الدينية، فنضع بين أيديهم برامج تفصيلية للسياحة الداخلية الجماعية، بما فيها رحلات السفارى فى المناطق الصحراوية الخلوية، وتنظيم رحلات الصيد بجميع أشكاله وأنواعه، مع توفير وسائل النقل المريحة وضمان عوامل الأمان لكل الأفواج السياحية، وضرورة تسهيل استخراج التصاريح اللازمة لارتياد أماكن المحميات الطبيعية والشاطئية المنتشرة على طول وعرض خريطة القطر المصرى، مع إمداد هذه الأفواج بالمرشدين السياحيين المعتمدين من قبل وزارة السياحة. ويجب أن يواكب هذا التشجيع على السياحة الداخلية، تفعيلالرقابة على كل من يتخذون من مهنة مرشدى السياحة الرسميين وغير الرسميين وسيلة لابتزاز من يرتادون هذه الأماكن من حدائق عامة ومناطق أثرية وشاطئية، وحتى تعطى المصداقية لنُبل وسُمُوْ الهدف الذى تسعى اليه هذه المؤسسات والمنظمات. وليس بالكثير أن يجد الراغب فى القيام بالسياحة الداخلية سواء الجماعات أو الأفراد، كُتيبات إيضاحية توضع فى محطات المترو والبنوك والأندية والأماكن العامة، يُدرج بها تفاصيل جميع البرامج المتاحة من زيارات للمواقع الأثرية والدينية، مع إرفاق مواعيد المهرجانات الفنية والسينمائية والمسرحية والمهرجانات الأدبية، والتى تلبِّى فى الوقت نفسه احتياجات كل الرغبات، وتحقيق الحلم بقضاء عطلة نهاية الاسبوع أو المصيف الموسمى السنوى، وترضى فى تفاصيلها اهتمام الجميع على اختلاف ميولهم ومشاربهم وتوجهاتهم، وكذا يجب أن يدرج بهذه الكُتيبات تفاصيل ببيان التكاليف المادية لكل برنامج على حدة، وتحديد نوع الخدمات المقدمة فى المقابل من حيث المبيت والإعاشة وقوائم الطعام ومدة الإقامة، وبهذا نكون قد أدَّينا واجبنا نحو الجميع بمن فيهم أجيالنا الصاعدة والمعقودة عليهم كل الآمال فى الغد المشرق بكل شموس المعرفة والازدهار والتقدم.

فالسائح المصرى «ابن البلد» لايقل أهمية عن السائح الأجنبى، وإن كان يفوقه أهمية لكونه مضمونًا من حيث وجوده بالفعل بالقرب من المنافذ السياحية، فلا أقل من أن يلقى المعاملة الحسنة من القائمين على خدمة السائحين تماثل معاملتهم للقادم الأجنبى، فلانكون عامل طرد بل جذب للسائحين على حد سواء دون تفرقة طالما يحققان الهدف نفسه من تنشيط السياحة وزيادة الدخل القومى من العملات الصعبة التى يحتاجها الاقتصاد فى تأسيس الصناعات القومية، وتنشيط حركة الاستيراد والتصدير بما لها من عوائد إيجابية لرفاهية الفرد والمجتمع .وفى المقابل ننتظر من أبناء البلد السلوك المثالى تجاه المزارات والشواطئ المصرية والحفاظ على نسقها ونظافتها حتى ننقل للعالم صورة مشرقة جاذبة وليست طاردة لعناصر سياحية أجنبية يغريها جمال المنظر وآدابالسلوك.

نحن بالفعل فى سباق مع الزمن فى معترك الحياة.. فلا مانع من أن يمنحنا هذا الزمن لحظات من المتعة والراحة نلتقط فيها الأنفاس اللاهثة، لتستعيد الخلايا الجسدية والروحية كل طاقتها الحيوية، لنبدأ رحلة الحياة فى كل صباح جديد مع إشراقة الشمس، بكامل اللياقة والنشاط والإقبال على إمداد البشرية بكل ما هو جديد ومدهش على طريق الحياة.