جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

العائلة المصرية الموحدة


بنظرة سريعة لأوضاع عدد من دول المنطقة، وبتفتيش الملفات الساخنة بها لا يمكننا إلا أن نجد عاملا مشتركا فيها جميعا ألا وهو الصراع الطائفى.. بين السنة والشيعة فى العراق.. وبين السنة والشيعة والأكراد والمسيحيين فى سوريا.. وبين الحوثيين الشيعة وبقية اليمنيين.. صراعات نشأت والتهبت ودُمرت على إثرها الدول نتيجة استغلال القوى التخريبية الإمبريالية للعنصر الطائفى الذى هو أقصر مدخل لنشر الحرب والفتن...

... والسؤال الذى يطرح نفسه هو: هل كان هنالك محاولات مثل تلك موجهة ناحية مصر؟، الإجابة بلا تردد «نعم».. وليست محاولة أو محاولتين إنما عشرات المحاولات التى باءت جميعها بالفشل، نتيجة الطبيعة التاريخية الفريدة لتعايش العائلة المصرية جميعها مسلمين ومسيحيين.

قبل أيام قليلة قامت جمعيات الشبان المسلمين العالمية التى أتشرف برئاستها، بتنظيم حفل إفطار «العائلة المصرية» وهو الحفل الذى اجتمع فيه عدد كبير من ممثلى طوائف المجتمع ورجال الدين الإسلامى والمسيحى.. ورغم اندهاش البعض لهذا التلاحم والحب والود خاصة أن الإفطار هو مناسبة تخص المسلمين بالأساس لأجل شهر رمضان الكريم، إلا أن المغزى كان أكبر من ذلك بكثير..

لقد حاولنا بأن نرسل رسالة للعالم أجمع وللقوى المتربصة بنا حتى اللحظة والتى تقود بأبواقها الإعلامية محاولات حثيثة لا تنتهى من أجل إحداث الفرقة بين طوائف المجتمع المصرى، أن هذا الشعب هو أسبق الشعوب فى معرفة معنى التعايش السلمى وممارسته قبل حتى ظهور العديد من الدول التى لم يكتمل عمرها 60 عاما..

أردنا من خلال الإفطار وعديد المناسبات الأخرى قبل ذلك أن نؤكد لُحمة عنصرى الأمة وتوحد العائلة المصرية بشكل لا يعرفه هؤلاء من مثيرى الفتن الذين حاولوا استغلال حادث فردى وقع مؤخرا والترويج له لإشعال نفوس المصريين من المسلمين والأقباط.. وكانت المفاجأة احتواء الموقف بكل سلاسة وحكمة عبر عنها البابا تواضروس بابا الإسكندرية وقيادات الكنيسة المصرية الأجلاء ومعهم شيخ الأزهر ورجال الدولة المصرية..

فى رأيى حالة التوحد هذه والممتدة عبر تاريخنا ساعدت فى أمر مهم وهو حفظ مصر وشعبها من الفتن وتوحيده خلف المصلحة العليا للوطن، لكنها فى الوقت نفسه لم تُستغل بالشكل الكافى لاستثمارها سياسيا وعلى المستوى الخارجى بما ينعكس على تطور الدولة وتقدمها على المستوى الديمقراطى بمعناه الشامل، وهذا ما يجب العمل عليه..

وهنا يجب أن تفكر عزيزى القارئ فى السبب الذى أدى إلى الحالة المستقرة الآمنة المتحابة المفعمة بالإخاء التى يعيشها أهل مصر الكرام.. فى اعتقادى أن الامر مرتبط بالأساس بالطبيعة المصرية الخاصة والفريدة التى لا تعرف العنف أو التصادم وهى الطبيعة التى أسقطت من قبل الإخوان وجماعات الظلام وستسقط بإذن الله قوى الإرهاب والشر، ثانى الأسباب التى أدت إلى ذلك من وجهة نظرى هى تطبيق القانون على كل من تسول له نفسه المساس بقدسية العلاقة بين أبناء العائلة المصرية الواحدة، وغير ذلك من توافر الحكماء والصالحين فى الديانتين الإسلامية والمسيحية والذين يقع على عاتقهم التصدى لأى حادث فردى وقبل ذلك تربية النشء وتعليمه التسامح والإخاء..

أضيف إلى ذلك عزيزى القارئ حالة الوعى الكبيرة عند المصريين، والتى تراها فى كثير من الأمور والمواقف البعيدة حتى عن أى حادث طائفى مررنا به.. تلك الروح وهذه الحالة والطبيعة المتفردة للشعب ليست موجودة فى أى شعب آخر فى العالم، وإننى لمؤمن تماما بأن ما نملكه من روح أغلى بكثير من أى أموال وسيكون النواة التى تنهض عليها بلادنا نحو مستقبل مشرق..

رسالتى فى الختام،: هيا نواصل العمل فى مناخ مفعم بالحب والتسامح والإنسانية، وأن نضع نصب أعيننا ما ألم بالشعوب المحيطة بنا ونقبض على طبيعتنا الخاصة وإيماننا بوطننا وديننا المتسامح قبضة لا ينفرط أمرنا من بعدها أبدًا..

■ رئيس تيار الاستقلال