جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

إدارة الكوارث والأزمات


رغم عدم إيمانى بمقولة: إن التاريخ يعيد نفسه!؛ إلا أن قناعاتى بدأت تميل إلى تصديقها، والاعتراف بوجود المجانين، والبلهاء، والخونة فى كل عصر، وخلف كل الأبواب التى تؤدى بالزور والبهتان والخديعة إلى محاولة الوصول إلى السلطة والمال والصولجان دون وجه حق...

...تداعت إلى ذهنى كل هذه الأفكار السيئة وأنا أرى ألسنة اللهب تندلع فى ثرواتنا القومية داخل ربوع مصرنا الحبيبة، فى القاهرة والمحافظات التى تزخر بالمنشآت الصناعية عصب الاقتصاد القومي، ومصدر الرزق للملايين فى هذا الوطن، وليقفز إلى خاطرى شبح هذا المعتوه «نيرون»، وأشهر جرائمه على الإطلاق «حريق روما» الشهير سنة 64 م، ويقول المؤرخون إنه كان يحلم بإعادة بناء روما على النمط الذى كان يعبث فى خيالاته المريضة، وللقضاء على عقدة اعتلائه العرش بالخديعة والاغتيالات، لكل من أسهم فى وصوله إلى سدة العرش، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق، كان نيرون جالسًا على مرتفع ينعم بمنظر الحريق؛ وبيده آلة الطرب ويتغنى بأشعار «هوميروس» التى يصف بها حريق طروادة.

وما أشبه الليلة بالبارحة، فلقد تكأكأت قوى الشر على منابع الخير لشعبنا، لتحاول أن تضع فى سبيلها كل العراقيل التى تمنعها من تحقيق حلم التنمية؛ من أجل الغد الأفضل لشباب مصر؛ الذين حملوا على عاتقهم أمانة حماية الوطن من كل المارقين؛ كارهى إعلاء شأن البلاد والعباد.

وفى الحقيقة،لست بصدد استعراض حوادث التاريخ الدامية، ولا رصد للحوادث المماثلة فى تاريخنا الحديث كحريق القاهرة الشهير؛ ولا أود الإشارة بأصابع الاتهام إلى «س» أو «ص»، فهذه الأمور لها رجالها ومختصوها من الخبراء القائمين على أمن البلاد، فقط أردت التنبيه إلى ضرورة وجود لجان متخصصة دائمة؛ فى كل وزارة، أو مؤسسة حكومية أو خاصة؛ لمواجهة وإدارة الأزمات التى تعترض مسيرتنا فى كل الاتجاهات، وحتى لانترك الأبواب مفتوحة لصائدى الماء العكر، المتربصين فى كواليس العمالة الممنهجة التى لايهمها صالح الوطن وسلامة مواطنيه، والمتأهبين للانقضاض على كل منجزات القيادة السياسية، التى تعمل لصالح مستقبل الوطن.

إن التخطيط لمجابهة الكوارث كالحرائق والزلازل، ضرورة تفرضها معرفتنا بآثار الكوارث المدمرة على المجتمع بكل مكوناته، فلا يجب أن ننتظر وقوع الواقعة أيا كانت، لنبدأ التفكير فى كيفية مواجهتها، فلابد من التخطيط والتنبؤ، بل إعداد رؤية شاملة لما بعد الأزمة حتى يمكن إعادة الأوضاع الطبيعية لكل مؤسسات الدولة التى أضيرت، وفى أسرع وقت ممكن،والبداية هى ضرورة توعية المواطنين بالأخطار المحتملة، وتعريفهم بمدى الخطر المحدق بهم فى حال عدم قيامهم بتنفيذ تعليمات الأمن والسلامة من الحرائق، وتركيب أجهزة الإنذار المبكر وارشادهم إلى طرق التخزين السليمة لتلاشى تكبدهم الخسائر الفادحة فى حال نشوب حريق أو زلزال، وفى هذا الصدد لابد من استصدار القوانين الملزمة، وعدم منح التراخيص اللازمة لممارسة الأعمال التجارية أو الصناعية؛ إلا بعد الفحص والتأكد من سلامة كل الاجراءات الواجب اتباعها، ومن يخالف ذلك يعاقب طبقًا لمواد القانون، ويتكفل بمصاريف الخسائر.والمعروف أنه توجد لجان للسلامة والصحة المهنية للتفتيش على عمليات التخزين وخاصة المواد سريعة الاشتعال؛ والمواد التى تشتعل ذاتيًا؛ وتحديد مصادر الشرر وغيرها من المصادر الحرارية، ولكنها فى الأغلب الأعمتعتمد على المرور الصورى على المنشآت، رغم أن تعليماتها صريحة وصارمة ومحددة فى: -التأكد من توافر وسلامة أجهزة إطفاء الحريق وصلاحيتها للتشغيل. -التأكد من تنفيذ تعليمات النظافة العامة وتجميع وتصريف العوادم وغيرها. -النظافة ومنع التدخين وحمل أعواد الثقاب والولاعات والتخزين السليم -منع التدخين نهائياً فى أماكن العمل التى تتوافر بها مواد قابلة للاشتعال. -وضع لافتات «ممنوع التدخيـن»فى المناطق المحظور فيها التدخين. -يحظر حمل الكبريت والولاعات فى الأماكن المحظور فيها التدخين. -لا تخزن المواد القابلة للاشتعال فى أوعية مكشوفة أو زجاجية «جفف ما ينسكب من هذه المواد بسرعة ولا تخزنها بجوار مصادر الحرارة كالمواقد والمدافئ». -المحافظة دائماً على ضرورة عدم وجود أى أوراق أو مخلفات فـوق الأسطح أو فى الحدائق أو حول المبانى لسهولة استعمالها بأى شرارة تلمسها. التأكد من إطفاء أعواد الثقاب أو بقايا السجاير قبل إلقائها فى الأوعية المخصصة لذلك. هذه هى أبجديات السلامة ودرء الأخطار المحدقة بالمجتمع.لذا أهيب بوسائل الإعلام بث حملات لتوعية المواطنين بهذه الأمور بدلاً من إلقاء اللوم عليهم واتهامهم بإعاقة عمل رجال الإطفاء أو الحماية المدنية. وصحيح أنه لايمنع حذر من قدر، ولكن لابد لنا من الأخذ بالأسباب، والانصياع بقناعة لكل التعليمات التى وضعها الخبراء والمتخصصون فى كل مجالات مواجهة الأزمات والكوارث. فمصرنا باقية وأعداؤها إلى زوال؛ وقاها الله شر المفسدين ! قال تعالى:»...كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ. وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا. وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين»َ.المائدة «64».