هل نحن حقاً شعب غير قابل للتثوير ؟!
من يوم ما وعينا على وش الدنيا، واحنا بنسمع عن الروتين سمع «لا مؤاخذة» إنه الحاجة اللى بتعطل المراكب السايرة، وهو بالفعل مرادف لأى نظام يدار بحكم العادة وبشكل نمطى تقليدى، يديره ذات نفس الأشخاص، ولا تفكير فى تجديد أو تطوير أو إبداع ... جمود واستقرار على الطريقة « المباركية» «القاتلة» ..
لكن الغريب إنه الناس تغضب وتثور على الجمود والبلادة والثبات المميت، ويقومون بثورة لكن يظل «الروتين» المرض العضال بيعشش فى مكاتب ودواليب العمل المصرى، ولا تهزه أى ريح ثورية!! بعد ثورة يوليو 1952 بأقل من عام نشرت «المصور» تلك الرسالة «لقارئ عبر باب» بين المصور وقرائه» الذى كان يحرره الكاتب الصحفى «حلمى سلام» مدير تحرير المجلة أنئذ «عدد 13 فبراير 1953» .. نلاحظ أن الرسالة بفحواها يمكن إعادة إرسالها بعد ثورة 30 يونيه لوسائل الإعلام.. يكتب القارئ بعنوان «من المسئول عن استمرار الروتين؟!»..
«تحية طيبة وبعد . فقد استطعت أن أعرف مما قرأت لك، مقدار حرصك على العهد الحاضر ـ عهد النهضة المباركة ـ ومقدار تمسكك بأهدافه وروحه، ولا عجب فى ذلك فقد أسهمت بقلمك فى سبيل قيامه ومازلت تجاهد جهاد الأبطال لتدعيمه واستقراره كما يشهد لك بذلك حضرة رئيس الوزراء ورجاله من الضباط الأحرار ـ أيدهم الله بنصره ـ ولذلك أردت أن أشكو لك بعض ما يحزننى فى الوقت الحاضر، لعلى أجد فى قلمك دواء يخفف من ألمى وحزنى . فلقد لمست عن كثب أن الروتين الحكومى لا يزال شديد البطء كثير التعقيد، وقد قرأت فى الصحف ـ منذ بضعة أشهر ـ كلاماً كثيراً عن تنظيم الإدارة الحكومية حتى تستطيع النهوض بالمشروعات الحيوية المنتظر تنفيذها فى هذا العهد .. وللأسف الشديد لم يظهر لذلك أثر حتى الآن وإنى أخاف على هذه المشروعات إن تولتها الإدارة الحالية أن تتعطل أو لا تنفذ على خير الوجوه، ومما يزيد الأمر بشاعة، أن بعض الموظفين ـ وفيهم الصغير والكبير ـ لا يزالون يعملون بعقلية العهد البائد البغيض . ولما كانت الإدارة الحكومية بالنسبة لوظيفة الدولة تشبه إلى حد كبير الجهاز العصبى بالنسبة لجسم الإنسان، فإن أى عطب بها قد ينتج عنه شلل كامل أو اضطراب وعدم انسجام. وأنى أعتقد أن حضرة الرئيس قد بين لمواطنيه بالقول والعمل ـ بما فيه الكفاية ـ روح العهد الجديد وشعاره الاتحاد والنظام والعمل. والآن فإن الأمل كبير فى أن يبث حضرات الوزراء هذه الروح ـ روح الإنتاج السريع، والعدل والمساواة ـ فى دواوين الحكومة بما يصدرون من الأوامر الحازمة والإرشادات الناضجة حتى يتحقق لنا الأمل المنشود فى عهد النهضة المباركة فى وقت قريب « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». القارئ : دكتور سعيد ناصف
ويرد المحرر ـ رأيى الخاص فى هذا الموضوع أن الوزراء هم المسئولون الأول عن كل ما يحدث فى وزاراتهم، وأستطيع أن أقول إن بعض هؤلاء الوزراء لايزالون يتركون الأمور يسيرها الموظفون بنفس الروح، وبنفس الطريقة اللتين كانوا يسيرونها بهما فى الماضى، فلم يحس الموظفون ـ فى أكثر الوزارات والمصالح ـ بأن عهداً قد تغير .. وأن على رأسهم وزراء يتابعون أوامرهم وتعليماتهم، ولا يسمحون لأحد ولا لظرف أن يتلاعب أو يعبث بهذه الأوامر وتلك التعليمات .. وإلى أن يفهم حضرات الوزراء «الطيبين» فى هذه الوزارة .. أنهم وزراء ثورة .. أرجو الله أن يلطف بنا، وبك، وبكل من يحترق إشفاقاً على العهد، ومبادئه، ورجاله.
انتهى حوار ما بعد ثورة 1952.. وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان غير فيها الشعب أنظمة، وقام بثورة ووراها ثورة للتغيير.. أسأل: إيه رأيكم ــ دام فضلكم ــ فى شكل وإدارة دواويننا الحكومية؟ ... هل حقاً ليس لدى حكامنا عبر كل هذه الحقب والأعوام الإرادة السياسية لنسف حمامنا البالى القديم؟!