جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الاحتضان.. لغة الحكماء


من أعظم مدارس الاحتضان والاستحواذ. مدرسة الرسول الأعظم سيدنا محمد «صلى الله عليه وسلم» فهو فى دعوته لم يكن فظاً غليظ القلب «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» والثمرة أن الأفئدة قد أحاطته واحتضنته. صحيح أن مسيرة الدعوة قد تعرضت للكثير من الويلات والعثرات إلا أنه أبداً لم يفقد الثقة فى مولاه. وفى أحلك الظروف لم يتخل عن دعوته التى آمن بها. وهكذا النبلاء من يؤمنون بقضيتهم وعدالتها. نماذج كثيرة فى حياه سيد الخلق «صلى الله عليه وسلم» رسخ فيها لقيمة الاحتضان فكانت ثمارها الوقتية فقد هاجر من مكة إلى المدينة تاركاً خلفه الأهل ومن يحب وهناك فى المدينة كان النموذج الأرقى للاحتضان، فأبو سفيان سيد قومه بلا منازع يأمر فيطاع وهو الممدوح من الجميع وقد غاص النبى فى شخصيته وتعامل معها يقول الدكتور عادل صادق- أستاذ الطب النفسى- فى كتابه «مشكلات نفسية» إن الشخصية الإنسانية تنقسم إلى ثلاث أولها :البلونية، وثانيها: السادية، وثالثها: السيكوباتية، فالأول هو من يريد مكانه وافتخاراً، وأما الثانى فهو مصاب بالقهر ولا يعمل فى ظل الأجواء الطبيعية، وأما الثالث فهو الذى يستمتع بإلحاق الأذى بالآخرين. وهكذا استشعر النبى «صلى الله عليه وسلم» أن معاداته ربما تجلب وبالاً على الدعوة. فكانت قولته «من دخل دار أبو سفيان فهو آمن» وفى زماننا لاسيما فى مواسم الانتخابات فإن المرشحين يبحثون عن الوجهاء للالتقاء بهم والاستماع إليهم. لأسباب من بدهياتها أنهم يمتلكون أدوات التوجيه والاختيار وهنيئاً لمن رضى عنه الوجهاء. ففى مباركتهم للترشيح أثر إيجابى. والرهان على البسطاء فى كثير من الأحيان لا يؤتى بثمر. وتجدهم فى النجوع والكفور والقرى، حيث يزداد تأثيرهم ونفوذهم. الاحتضان لغه طوبى لمن امتلكها فهى قرين للحكمة «ومن يؤتى الحكمة فقد أؤتى خيراً كثيراً» نموذج آخر من الاحتضان فقد بال أحد الأعراب ذات يوم فى المسجد، وأوشك الحضور من الصحابة أن يفتكوا به ولكنه «صلى الله عليه وسلم» أمرهم أن يتركوه وأن يريقوا على بوله ذنوباً من ماء تطهيراً للمكان وزيادة على تفرده باحتضان الرجل فقد استبق النبى «صلى الله عليه وسلم» علماء الطب الذين اكتشفوا فيما بعد أن إزعاج المتبول يمكن أن يصيبه بالأمراض. وقد استحوذ النبى «صلى الله عليه وسلم« على أحد الشباب الذى جاءه ثائراً طالباً منه أن يسوغ له ارتكاب أكبر الفواحش «الزنى»، حيث واجهه بحكمته أترضاه لأمك. اترضاه لأختك. أترضاه لزوجك. ثم دعا له «صلى الله عليه وسلم» بطهارة القلب. لغة الاحتضان تاج فوق رؤوس من فهمها. فما أحوج رجال الدعوة إلى الإمساك بها. لاسيما وقد جنينا جميعا ثماراً مؤلمة لمكفهرى الوجوه من يعبسون فى وجوه السائلين. وسمعنا عن مصطلحات التكفير والتخوين والخروج عن الملة. ويقينى أن اللغة الرشيدة هى من تؤتى ثمارها.