الواقع العـربى بين المتغيرات الدولية والإقليمية
ويمكن ملاحظة أن معظم المتغـيـرات الدوليـة والإقليميـة التى حـدثت بالمنطقة، إن لم تكن جميعها كانت تجسيدا لعلاقات الفعـل ورد الفعـل بيـن روسيا والولايات المتحدة، وبتحليل هذه المتغيرات يُمكن ملاحظة أنها تميـزت بثلاث خصائص رئيسية، حيث تميـزت أولا بسـرعـة وكـثـافـة وتـراكـم تفاعلاتها، وتميـزت ثانيا بأن المتغـيـر الذى حدث فى أى جزء من المنطقة، قـد أثـر سلبـاً أو إيجابـاً على جميع أجزائها، وتميـزت ثالثا بظاهرة الإعـتماد والتأثيـر المتبادل، إذ كانت هذه المتغـيـرات تتداخل فيما بينها وتتفاعـل مع بعـضها، وترتيبا على ذلك فإنه يتعيـن إعادة تقييم الواقع العـربى من فترة إلى أخرى حتى نتبين الأخطار «التحديات والتهديدات» التى تواجه المنطقة، مع ضرورة الأخـذ فى الاعـتبار الرأى العام العربى الذى غالبا ما يتشكل فى صورة تساؤلات، ولعـل أهـم التساؤلات التى تـدور فى الذهن الجمعى العـربى الآن هى: كيف نصف واقع «العالم العـربى» الآن؟ بعـد مرور أكثر من خـمس سنـوات عـلى ما يُسمى الربيع العربى، وما الأخطار المؤكدة والمحتملـة التى يُمكن أن تُواجهـه؟ وما المستـقـبـل الذى ينبغى أن يتطلع إليه «الوطن العـربى» ؟ هناك فارق كبيـر بين مصطلحى العالم العربى، والوطن العربى، سيتم توضيحه فى موضع آخر من المقال.
ومن اليسير وصف واقع «العالم العـربى» اليوم، إذ يكاد كل عربى عروبى يؤمن بالقومية العــربية أن يتلمسه، إذ يُشيـر هذا الواقع إلى أن مصطلح العالـم العـربى يعنى أنـه مجموعة من الدول والشعـوب المتنافرة المتناثرة، تعـيـش فى منطقـة تُعـتبـر من أكثـر المناطـق أهـمية، ومن أخـطـرها حساسية فى العالم «لإعـتـبارات استراتيجية عـديـدة»، تحـتـوى على مصالح متعارضة ومتشابكة للقـوى العـظمى والكبرى والكيانات العـملاقة، فغـدت المنطـقة وكأنها بـؤرة تركيــز، ومحـط أنظـار هـذه القـوى وتلك الكيانـات على مر التـاريــخ، بل ومسرحاً لنشاطها وتفاعـلاتها بحكم موقعـها وثـرواتها، هـكذا وجـد العالم العـربى نفسه وسـط هذه التـفاعلات طرفـاً كرهاً أو طوعاً.
ومن اليسيـر أيضاً وصف المنطقة العربية بالمنطقة التى تعـج بكثيـر من المتناقضات، فبالرغم من أنها تعـتبـر إقـليمـاً تفاعـلياً واحداً ومميـزاً بحكم امتدادها وتواصلها الجغـرافى الفريـد، إلا أنها تضم دولا وشعـوبا متـنافـرة متناثـرة، وبالرغم من أنها تُعـتبر نمطا له أهميته البالغة بحكم الموقع الجيوستراتيجى الفريد، وبحكم إمكانياته الاقتصادية الهائـلة، إلا أنه افتقر إلى تكنولوجيا التصنيعوعـوامل التقـدم، والغـريب أن تلتقى فيه مصالح الدول العـظمى والكبرى التى نشأت على مر التاريخ وتتفرق فيه مصالح دولـه، فأصبح نمطا يموج بكثير من المشكلات والصراعات والتوترات، وبالرغم من أنه يُعـتبـر نمطا يمتلك جميع مقومات التعاون والتكامل والتقدم والازدهار، إلا أنه ظل عـاجـزاً حتى الآن عن أن يشكل نمطا تفاعـلياً واحداً يستحق أن نطلق عـليه نمطا إقـليميا، فاستغـلت القوى العالمية والإقليمية غـيرالعربية هذا التناقض لتحقيـق أهدافها فى المنطقة وفى المقال القادم بإذن الله سأتناول متناقضات الواقع العربى الراهن والتحديات التى تواجهه.
■ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد