رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دموع النيل..تروى عطش تل أبيب!!


الحقيقة غائبة.. ولم تعلن حتى الآن.. منذ أن تم إنشاء ترعة السلام وعبور النيل لقناة السويس لأول مرة فى التاريخ واختراقه رمال سيناء.. أصبحت إسرائيل تنتظر وصول النيل إليها.. استمر الحلم الإسرائيلى ينتظر وصول النيل إلى تل أبيب.. لكن الظروف السياسية وما حدث خلال السنوات الماضية الطويلة جعل الحلم الإسرائيلى لا يتحقق...

... اتجهت إسرائيل إلى محابس المياه.. أى إلى المنابع تحت شلالات النيل بإثيوبيا وقدمت فكرة ما يسمى الآن.. «سد النهضة».. لقد تم استغلال تراجع مصر فى «زمن مبارك» عن دورها القيادى فى أفريقيا.. تقدمت إسرائيل كى تحتل مكانة مصر فى أفريقيا.. تحت شعار الاعتداء على مبارك فى إثيوبيا تقدمت إسرائيل واحتلت موقعها.. بغباء سياسى من «مبارك» تم تراجع مصر عن الحفاظ على أهم مواقع أمنها القومى.. تم احتشاد كل القوى المعادية لنا تحت هضبة النيل!!.. أصبحنا نمارس المقاومة «بالمفاوضات». وإثيوبيا تمارس معنا المفاوضات ببناء السد نفسه.. أصبح الزمن فى صالح إثيوبيا. هى تبنى. ونحن نفاوض!! هناك مؤسسات دولية مسئولة بقوة القانون الدولى عن تنظيم علاقة الدول بالأنهارالمشتركة.. ولم نتعامل مع هذه المؤسسات حتى الآن بل نتعامل «بحسن النوايا» مع من هم «سيئو النوايا»!! وإن الإنسان يبدأ حياته بالهواء والماء وتنتهى حياته كذلك.. أى أن الماء يمثل حياة كل المصريين بلا استثناء.. أى أننا أمام معركة تمثل لنا الحياة أو الموت! إن إثيوبيا تعلم تماماً أن زمن الحروب قد انتهى.. بل إن العالم لا يقبل حتى التهديد بها.. لكن عندما يكون الأمر مرتبطاً بحياتنا فالأمر كله يخضع لجميع الطرق فى الدفاع عنالنفس.. لا توجد دولة فى العالم مهما كان شأنها تقبل أن تترك حياة شعبها فى يد آخرين.. خاصة عندما يكون هذا الاخر عدواً لها..

إن كل ما تحلم به إسرائيل منذ معاهدة «كامب ديفيد» هو أن تصل مياه النيل إلى تل أبيب.. لقد وقف فى ذلك الوقت «مناحم بيجن» وطلب من السادات رسمياً أن يصل النيل إلى تل أبيب.. لقد اتفقوا على ذلك وتم فتح ترعة السلام وعبر النيل قناة السويس ثم توقف عن المسير.. وهذا لم يعجب إسرائيل. فقامت بالقفز على المنابع، حيث إننا نمثل دولة المصب!! تعلم إسرائيل وإثيوبيا أن مصر مرت بظروف هى الأصعب فى تاريخها كله.. وفى ظل هذا اتفق الأخوة الأعداء عما يحدث الآن عند منابع النيل.. الحقيقة أن إسرائيل تريد أن تكون المفاوضات معها هى وليس مع إثيوبيا.. إن سد النهضة هو إسرائيلى الفكرة وتنفيذه أيضاً يخضع لإسرائيل وليس لغيرها.. وأن تمويل السد ليس هو المشكلة.. حيث تتوافر جميع أنواع التمويلات طالما أن إسرائيل هى الحارس والمستفيد.. هناك أزمة حقيقية لا يمكن الخروج منها بطرق تقليدية تسمى الآن بـ «المفاوضات واللجان المشتركة» ثم تبدأ مفاوضات أخرى وتشكيل لجان.. ثم اجتماعات.. وتعاد مرة أخرى الاجتماعات.. وإثيوبيا تزيد يومياً من أعمال البناء.. والأخطر من هذا كله.. إن جانباً كبيراً من مياه النيل أصبح محتجزاً الآن.. وسوف تستمر أعمال الحجز المتتالى للمياه. لقد انخفضت حصة مصر من المياه المتجهة من النيل أمام السد العالى.. مما يهدد بخفض الكهرباء. وهذا لا يهم.. لكن ما يهمنا هو تعرض حياتنا للخطر.. تعلن مصر يومياً عن مشروعات زراعية.. بل هناك مليون ونصف مليون فدان تعلن الدولة عن هذا المشروع.. وأراضينا الأصلية المزروعة من زمن الفراعنة مهددة بالبوار الآن!! إن أمننا القومى أصبح الآن يحتاج إلى أساليب أخرى وأفكار بعيدة عن الشعارات وأن الهتافات لا يمكن أن تروى عطش الإنسان والنبات.. إننا لا نهدد لكن علينا أن نستعد.. إن احتلال العدو للأرض أرحم ألف مرة من احتلال المياه.. إن العدو المحتل يمكن مقاومته لكن من يحتل المياه كيف يمكن أن نقاومه؟!..

إن إسرائيل مهما كانت الاتفاقيات معها سوف تظل هى العدو الرئيسى لنا.. وهذا معلوم لها ولنا أيضاً أن طريقة المفاوضات التى تدور الآن.. وبيوت الخبرة المختلف والمتفق معها.. مع إهدار الوقت تمثل الفخ والكمين المعد لنا حتى يمكن إنهاء بناء سد النهضة وبعد ذلك يمكن هنا لإثيوبيا وإسرائيل أن يفرضا علينا الشروط بعد أن نكون قد فقدنا كل ما نملكه من قوة فى إهدار الوقت.. إن علينا أن نضع جميع الحلول وطرق الدفاع عن أنفسنا بما فى ذلك كل المؤسسات الدولية والأهم من ذلك كله أن يعلم الشعب الحقيقة بل ويعد أيضاً للدفاع عن حياته مهما كلفه ذلك.. إن النيل لا يمكن أن يكون لغيرنا.. بل هو حياتنا ومياهه مختلطة بدمائنا.. لا تجعلوا النيل يبكى.. بل دافعوا عنه.. كما دافع عنكم عبر آلاف السنين.