"دولة أمناء الشرطة": الانتهاكات مستمرة.. والأطباء أكثر الفئات استهدافًا.. وغياب العقاب يدفعهم للمزيد.. ومراقبون: الأمر ينبئ بكارثة
حالات تعد كثيرة قام بها أمناء الشرطة في حق الأطباء، لاسيما خلال الفترة الأخيرة، حتى تحولت المستشفيات من ملجأ للعلاج والراحة إلى بؤرة لانتهاكات الداخلية وأمنائها، وباتت ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، على يد الأمناء الذين يسعون في الأرض فسادًا.
فلم تهدأ الأمور حول واقعة اعتداء أمين شرطة على طبيبين في مستشفى المطرية، حتى استيقظ المصريون على واقعة أخرى، شهدتها مستشفى كوم حمادة بمحافظة البحيرة، الجمعة، باعتداء أمين شرطة على إحدى الممرضات.
"واقعة المطرية"
في 28 يناير 2016، كانت الواقعة الأكثر جدلًا من قبل الشرطة تجاه الأطباء، شهدت على إثرها كل من الداخلية ونقابة الأطباء مواجهات حادة بين الاثنين، حينما وصل إلى مستشفى المطرية أمين شرطة يرتدي ملابس مدنية، ومُصاب بجرح في وجهه، طالبًا من الطبيب المكلف أن يثبت إصابات غير حقيقية بالإضافة إلى الإصابة الموجودة به فعليًا في تقريره النهائي.
وعندما رفض الطبيب، أفصح المريض عن شخصيته بأنه أمين شرطة، وأن الطبيب عليه أن يكتب التقرير الذي يرغب فيه، وقام أمين الشرطة بالاعتداء عليه، وكان معه وقتها أحد زملائه شاركه الاعتداء على الطبيب وزميله، واقتادوهما لقسم شرطة المطرية، ولكن المأمور أعادهما إلى المستشفى مرة أخرى.
وعلى إثر الواقعة نظم أطباء المطرية التعليمي إضرابًا عن العمل، لحين اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه بلطجة أمناء الشرطة، وقاموا بإغلاق استقبال المستشفى، وأصدرت نقابة الأطباء بيانًا شرحت من خلاله تفاصيل ما حدث، مؤكدة على حق الأطباء في الامتناع الاضطراري عن العمل.
وفي أول رد لوزارة الداخلية على الواقعة، كذبت رواية الأطباء والنقابة، وأكدت في بيانها، أن أحد أمناء الشرطة أصيب أثناء مشاركته في عملية هجومية، ثم توجه إلى مستشفى المطرية للعلاج، وتأخر الأطباء في عملية الفحص، ونتج عن ذلك مشادات كلامية بين الأطباء والمصاب حتى تطورت لتشابك بالأيدي.
"واقعة البحيرة"
وشهدت مستشفى كوم حمادة بالبحيرة، الواقعة الثانية، بعد ما اعتدى أمين شرطة على إحدى الممرضات بالمستشفى عقب مشادات عنيفة بينهما خلال ذهابه لعلاج نجله المصاب بالسخونية، وحينما وصل إلى المستشفى لم يجد أطباء وقامت الممرضة بالاتصال بالطبيب المقيم فلم يستجب لها ولم ينزل من مسكنه لإسعاف الطفل.
الأمر دفع أمين الشرطة بتصوير الواقعة والمستشفى خالية تمامًا من الأطباء وكذلك الممرضة وهي تقوم بكتابة التشخيص وروشتة العلاج، وأثناء ذلك قامت الممرضة بتوبيخ أمين الشرطة مما دفعه إلى صفعها على وجهها وخرج بنجله ولم يتلق أي علاج.
وقامت الممرضات بتنظيم فعاليات احتجاجية والدخول في إضراب مفتوح عن العمل للتنديد بهذه الواقعة، منذ أمس وحتى الآن، تضامن كل طاقم تمريض الاستقبال مع زميلتهن وأضربن عن العمل للمطالبة بحقها.
من جانبها، قامت نيابة كوم حمادة بحبس أمين الشرطة المتهم بالتعدي على إحدى الممرضات بمستشفى، 4 أيام على ذمة التحقيقات.
"مستشفى المبرة"
لم تكن هذه الواقع هي الأولى من نوعها، فقد سبقها في أواخر العام الماضي، اقتحام أمين شرطة، مكتب مدير مستشفى المبرة، وقام بتكسيره والتعدي على ممرضة ومريض بالضرب، على خلفية مشادة وقعت بسبب تأجيل عملية جراحية لوالده.
وترجع بداية الواقعة إلى حضور أمين شرطة برفقة والده لإجراء عملية جراحية، وعلم أمين الشرطة بضرورة تأجيلها لارتفاع ضغط والده، فقام بالتعدي على الممرضة وضربها في بطنها وهي حامل.
وعندما حاول الدكتور هشام عبدالحفيظ، مدير مستشفى المبرة، تحرير محضر، رفض قسم مصر القديمة تلقي البلاغ بسبب أن مرتكب الواقعة أمين شرطة وهو أحد زملائه، رغم أن تأجيلهم للعملية، جاء لعدم إمكانية إجرائها بسبب ارتفاع ضغط المريض حتى لا تتعرض حياته للخطورة.
"مستشفى دمياط"
قبل يومين، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، مقطع فيديو يظهر قيام أمين شرطة بإشهار سلاحه في وجه عدد من أطباء وهو يقف في منتصف صالة الطوارئ بمستشفى دمياط الرئيسي، وتهديدهم بإطلاق الأعيرة النارية عليهم، ويلتف حوله عدد من الموجودين لإثنائه عن التهديد وإشهار السلاح في وجوههم.
وطالب الأطباء، بضرورة التصدي للواقعة، وتوقيع عقوبة حازمة على أمين الشرطة، كما طالبوا باحترام الأطباء ومراعاة حرمة المستشفيات وعدم التعدي على العاملين بها.
"واقعة المنصورة":
وفي ديسمبر الماضي، قام أمين شرطة مسئول عن تأمين مستشفي الطوارئ الجامعي بمنطقة جيهان بالمنصورة، بالتعدي على مواطن ووالدته، حينما ذهب لتتلقى الأخيرة العلاج بالمستشفي وتجري بعض الفحوصات الطبية، فرفض الأمين بحجة أنه لا يملك إذن، رغم تأكيده أنه حصل على إذن بالدخول.
وهنا نشبت مشادة عنيفة بينهم، حتى قام أمين الشرطة بالاعتداء على المواطن الذي كشفت التحريات في النهاية أنه وكيل نيابة بدمياط.
"واقعة بني سويف"
وفي مايو 2015، اعتدى أمين شرطة على ممرضة بمستشفى إهناسيا المركزي بمحافظة بني سويف، بحجة عدم تقديم العلاج لزوجته المريضة بالمستشفى، وأصيبت الممرضة بخدوش في الكتف الأيمن وتورم بالفخذ الأيمن وتم حجزها بالمستشفى، وحبس أمين الشرطة بعد ذلك 4 أيام على ذمة التحقيقات قبل أن يخلى سبيله بكفالة مالية.
"واقعة أكتوبر":
وفي 1 أكتوبر من العام الماضي، اعتدى أمين شرطة مكلف بحماية مستشفى كرموز بالإسكندرية، على أطباء المستشفى بالسب بأبشع الألفاظ، والضرب بالأيدي والركل بالأرجل على بعضهم مما تسبب في إصابة أحد الأطباء .
وتعود الواقعة إلى اعتداء إحدى المواطنين على المدير المناوب للفترة المسائية بالمستشفى، وعندما ذهب الأطباء للاستنجاد بأمين الشرطة المكلف بالحماية، لم يجده، فنشبت مشادة كلامية بينهم وقام الأمين بالاعتداء على الطبيب الذي جاؤه يستنجد به وصديقه.
وتعليقًا على هذه الحالات الفردية، قال محمد زراع، المحامي الحقوقي، وعضو اللجنة العليا للإصلاح الجنائي، أن تجاوزات الشرطة الأخيرة في حق أطباء المستشفيات، أسقطت عنها صفة الفردية وبات أنه تصرف جماعي، موضحًا أن جهاز الشرطة لم يطوله أي تغيير منذ ثورة يناير.
ولفت إلى أن الأمر بات كارثيًا ويزيد من حالة الاحتقان لدى المواطن، لاسيما أن العلاقة بين جهاز الشرطة والشعب ليست جيدة، وهي بذلك كمن يجبر الشعب على تبني فكرة "الثورة هي الحل".
وأكد على إلى أن هناك عددًا من التشريعات تزيد من جبروت الضباط، فالقانون يحرم المواطن من تحريك دعوة جنائية ضد الضباط، ولكن يترك الأمر للنيابة العامة هي المنوط بها الفصل في تحريك دعوة أم لا، وذلك يعد قيد مفروض على المواطن في أخذ حقه.
من جانبه، أشار نجاد البرعي، المحامي الحقوقي، إلى أن معدل انتهاكات ضباط الشرطة تجاه المواطنين لم يطرأ عليه أي تغيير منذ ثورة يناير حتى الآن، وأن الأمناء باتوا يتعاملون مع حياة المواطن على أنها بلا قيمة، وأنه لا نجاة لأحد من مطرقتهم لاسيما الأطباء.
ولفت إلى أن هذه الانتهاكات أدت إلى وجود شرخ كبير في العلاقة بين النظام والمواطنين، تهدد بوجود مصادمات؛ لأنه ليس هناك مبرر لضرب طبيب أو مواطن لمجرد الاختلاف في وجهات النظر والآراء.